وأما حق من ساء لك القضاء على يديه بقول أو فعل، فإن كان تعمدها كان العفو أولى بك، لما فيه له من القمع وحسن الأدب، مع كثير أمثاله من الخلق، فان الله يقول: ﴿ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل - إلى قوله - من عزم الأمور﴾ (٤٠) وقال عز وجل: ﴿وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين﴾ (41) هذا في العمد، فإن لم يكن عمدا لم تظلمه بتعمد الانتصار منه، فتكون قد كافأته في تعمد على خطأ، ورفقت به ورددته بألطف ما تقدر عليه، ولا قوة إلا بالله.
واما حق (42) ملتك عامة، فاضمار السلامة، ونشر جناح الرحمة، والرفق بمسيئهم، وتألفهم واستصلاحهم وشكر محسنهم إلى نفسه واليك، فان احسانه إلى نفسه احسانه إليك، إذا كف منك أذاه، وكفاك مؤونته، وحبس عنك نفسه، فعمهم جمعيا بدعوتك، وانصرهم جميعا بنصرتك، وأنزلهم جميعا منك منازلهم: كبيرهم بمنزلة الوالد، وصغيرهم بمنزلة الولد، وأوسطهم بمنزلة الأخ، فمن أتاك تعاهده بلطف ورحمة، وصل أخاك بما يجب للأخ على أخيه.
وأما حق أهل الذمة، فالحكم فيهم ان تقبل فيهم ما قبل الله، وتفي بما جعل الله لهم من ذمته وعهده، وتكلهم إليه فيما طلبوا من أنفسهم وأجبروا عليه، وتحكم فيهم بما حكم الله به على نفسك فيما جرى بينك [وبينهم] (43) من معاملة، وليكن بينك وبين ظلمهم من رعاية ذمة الله والوفاء بعهده وعهد رسوله (صلى الله عليه وآله) حائل، فإنه بلغنا أنه قال : من ظلم معاهدا كنت خصمه، فاتق الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله.