الجشب»، والسياسة مصدر «سست الرعية سياسة» وهي القيام عليهم بما يصلحهم والتدبير في أمورهم والنظر إلى مصالحهم، وإنما أضافها إلى الليل لأن أكثر الفساد يقع فيه فهو أولى بأن يقع السياسة فيه، ولأن الأمير كثيرا ما يدبر أمور الرعية فيه، والسياحة مصدر ساح في الأرض يسيح سياحة» إذا ذهب فيها، وأصله من السيح وهو الماء الجاري على وجه الأرض، وإنما أضافها إلى النهار لأن الذهاب إلى الجهاد والجماعة ونحوهما الحركة في الأرض لإجراء الأحكام على الخلق ونحوه يقع في النهار غالبا، وحمل سياحته على الصوم بعيد في هذا المقام إذ لا مدخل لكثرة النعمة فيه إلا أن يكون المراد زجر النفس عنها، وهذا الحمل مع قلته منقول عن الشرع، قال ابن الأثير: ومنه حديث «سياحة هذه الأمة الصيام» قيل للصايم: «سائح» لأن الذي يسيح في الأرض متعيدا يسيح ولا زاد معه ولا ماء فحين يجد يطعم والصائم يمضي نهاره لا يأكل ولا يشرب فشبه به، والمراد بلبس الخش لبس الثوب الذي لا قدر له ولا قيمة يعتد بها ويأكل الجشب أكل طعام غليظ لا يميل إليه طبع أكثر الخلق أو أكل ما لا أدم معه.
قوله (فزوى ذلك عنا) أي فصرف ذلك الأمر وقبض عنا فهل رأيت يا معلى ظلامة قط صيرها الله تعالى نعمة إلا هذه الظلامة فإنها جعلت نعمة علينا لسقوط السياسة والسياحة ولبس الخشن وأكل الجشب وغيرها من المشقات التي لزم على صاحب هذا الأمر التزامها ليقتدي به الضعفاء ويهتدي به الأغنياء. والظلامة بالضم الحق الذي أخذ من صاحبه ظلما.
قوله (حين لبس العباء وترك الملاء) العباء بالفتح والمد جمع العباءة كذلك وهي كساء واسع من صوف، والملاء بالضم والمد جمع الملاءة كذلك وهي الإزار وكل ثوب لين رقيق. وفي النهاية:
قال بعضهم: إن الجمع ملأ بغير مد، والواحد ممدود، والأول أثبت.
* الأصل:
3 - علي بن محمد، عن صالح بن أبي حماد، وعدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد وغيرهما بأسانيد مختلفة في احتجاج أمير المؤمنين (عليه السلام) على عاصم بن زياد حين لبس العباء وترك الملاء وشكاه أخوه الربيع بن زياد إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه قد غم أهله وأحزن ولده بذلك، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): علي بعاصم بن زياد، فجيء به فلما رآه عبس في وجهه، فقال له: أما استحييت من أهلك؟ أما رحمت ولدك؟ أترى الله أحل لك الطيبات وهو يكره أخذك منها، أنت أهون على الله من ذلك، أو ليس الله يقول: (والأرض وضعها للأنام * فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام) [الله] يقول: (مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان) - إلى قوله - (يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان) فبالله لابتذال نعم الله بالفعال أحب إليه من ابتذالها بالمقال، وقد قال الله عز وجل: