جزم بأنه رأى مثاله المعصوم من الشيطان كما يجزم الصحابي بذلك، وأما غير هذين فلا يجزم أنه رآى مثاله بل يجوز أن يكون رأى مثاله ويحتمل أن يكون من تخييل الشيطان ولا يفيده قول المثال:
أنا رسول الله، ولا قول من حضر معه: هذا رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأن الشيطان يكذب لنفسه ويكذب لغيره.
وموضع الإشكال قصره الرؤيا على الرجلين (1) وتجويزه في رؤية غير الرجلين أن يكون ما رآه من تخيل الشيطان مع شهادته (عليه السلام) أن الشيطان لا يتمثل به. فإن قلت: إذا لم تقصر رؤياه على الرجلين فبم يعلم غيره أنه رأى مثاله؟
قلت: يجوز أن يكون باعتقاد خلقه الله تعالى للرائي أن الذي رآه هو مثاله وقد تقرر أن محل الإدراك من النائم لا يأتي عليه النوم، ثم قال القرافي: وإذا تقرر أنه لابد من تحقيق رؤية مثاله المخصوصة فيشكل ذلك بما تقرر في كتب التعبير أنه يرى شيخا وشابا وأسود وذاهب العينين والقدمين وعلى أنواع شتى من المثل التي ليست مثالا له. قال: والجواب أن الأحوال صفات الرائي وأحوالهم تظهر فيهم وهو كالمرآة فإذا صح للرائي المثال والضبط فرؤيته أسود تدل على ظلم الرائي، ورؤيته ذاهب العينيين تدل على عدم إيمان الرائي إدراكه ذهب، ورؤيته ذاهب القدمين تدل على أن الرائي منع من ظهور الشريعة ونفوذ أمرها لأن القدم يعبر بها عن القدرة. ورؤيته شابا تدل على أن الرائي يستهزء به لأن الشاب محتقر. ورؤيته شيخا تدل على أن الرائي يعظم النبوة لأن الشيخ يعظم وغير ذلك من الصفات الدالة على الأحكام المختلفة ثم قال القرافي: قلت لبعض أشياخي إذا صح أن يراه على هذه الكيفيات فكيف ينفي المثال وهو لم ينف ولم يكن كذلك في الحياة؟
فقال لي: لو كان لك أب شاب تغيب عنه ثم جئت فوجدنه شيخا أو أصابه يرقان أصفر أو يرقان أسود أو بطلت أعضاؤه كنت تشك أنه أبوك قلت: لا قال: فما ذلك إلا لما انطبع في نفسك من مثاله المتصور عندك الذي لا تجهل مع عروض هذه الأحوال وغير الرجلين لا يثق بأنه رآه (2).