ولا دليل على فناء جسده وغاية ما يلقى أنه (1) قد يرى على غير الصفة التي كان عليها فيكون ذلك غلطا (2) في صفاته وتخيلا لها على غير ما هي عليه. فيكون ذاته مرئية وصفاته متخيلة غير مرئية فيكون فائدة تلك الصفات المتخيلة على ما جعله الله علما عليه فبحث عن تأويلها فقد قال الكرماني جاء في الحديث أنه إذا رأى شيخا فهو عام سلم وإن رأى شابا فهو عام حرب واختلف لو رآه يقتل من لا يحل قتله، فمنهم من منع وقوع ذلك، ومنهم من جعله من صفاته المتخيلة فيتأول، وقال عياض: ويحتمل عندي أن معنى رآني فقد رآني: الشيطان لا يتمثل بي، أن ذلك فيمن رآه على صفاته التي كان عليها لا على صفة مضادة لذلك فإذا رآه على غيرها كانت رؤيا تأويل لا رؤيا حقيقة فإن رؤياه منها ما يخرج على وجه ومنها ما يحتاج إلى تأويل وتفسير.
وقال بعضهم قد خص الله تعالى نبيه (صلى الله عليه وآله) بعموم صدق رؤياه كلها ومنع الشيطان أن يتمثل به حتى لو كانت مضادة لحاله في الحياة لئلا يندرج الكذب على لسانه في نومه كما منعه من ذلك في اليقظة أو لو أمكن من ذلك لوقع اللبس بين الحق والباطل ولم يوثق بما جاء من أمر النبوة فحمى الله نبيه ورؤياه ورؤيا غيره له من كيد الشيطان، وتمثيله ليصح رؤياه في الوجهين ويكون طريقا إلى علم صحيح، وقال القرطبي: الصحيح ما ذهب إليه الباقلاني من أن قوله (عليه السلام): فقد رآني، كناية عن كون الرؤيا حقا ليست بأضغاث أحلام وإن رئي على غير الصفة التي كانت عليها في الحياة وأن تلك الصفات من فعل الله تعالى لا من تخييل الشيطان وتمثيله لشهادته بعصمته في المنام أن يتمثل الشيطان به كما عصمه منه في اليقظة. وقال الآبي: إن الله تعالى على ما علم من الحديث عصم مثاله أن يتمثل به الشيطان في النوم كما عصم ذاته الكريمة منه في اليقظة.
وذكر القرافي من الكلام ما يشكل على هذا الأصل قال: قال العلماء إنما تصح رؤيته لأحد رجلين لصحابي رآه فإنطبع مثاله في نفسه فإذا رآه علم أنه مثاله المعصوم من الشيطان، والثاني رجل تكرر عليه سماع صفاته (3) المنقولة في الكتب حتى انطبع في نفسه المثال المعصوم فإذا رآه