شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٥ - الصفحة ٩
مثل هذه العقائد الفاسدة مع أن الواحد من آحاد الناس لو نسب إليه غيره أنه يسيء إلى من أحسن ويذمه ويحسن إلى من أساء ويمدحه قابله بالشتم والسب ولم يرض بذلك فكيف يليق أن ينسب إلى ربه ما يكرهه أدنى الناس لنفسه، وأما المذكور في هذا الكتاب ففيه إشكال (1) لأن المسئ والمحسن إذا كانا متساويين فكيف يوصف المذنب بأنه أولى بالإحسان من المحسن والمحسن بأنه أولى بالعقوبة من المذنب؟
ويمكن دفعه بوجوه; الأول: أنه أجبر المذنب على القبائح والقبائح من حيث هي لذات حاضرة إحسان وأجبر المحسن على الطاعات والطاعات من حيث هي مشقة عقوبة حاضرة وهذا هو المراد بالأولوية ههنا.
الثاني: وهو مبني على تحقق الثواب والعقاب في الآخرة مع الجبران القبيح من حيث هو شر بلية والطاعة من حيث هي خير راحة فيقتضي ذلك مقابلة الأول في الآخرة بالإحسان ومقابلة الثاني بالعقوبة.
الثالث: هو أيضا مبني على ذلك أن المعصية راحة حاضرة والطاعة مشقة ظاهرة وجبرهما على ذلك إما لأجل القابلية أو لأنه تعالى يفعل ما يشاء وعلى التقديرين يلزم الأولوية المذكورة، أما على الأول: فلأن الذات غير متغيرة فيلزم أن يكون ذات المذنب أولى بالراحة والإحسان دائما وذات المحسن أولى بالمشقة والعقوبة دائما ليصل إلى كل أحد ما عود به وهو به أليق، وأما على الثاني:
فلأن الأصل بقاء ما كان على ما كان فيلزم أن يحسن إلى المذنب ويثيبه فيحصل له الربح في الدارين ويتخلص من المشقة في الكونين وأن يعاقب المحسن فيحصل له مع المشقة الحاضرة المشقة في الآخرة (تلك مقالة إخوان عبدة الأوثان) (2) لعل المراد بعبدة الأوثان مشركوا العرب

١ - قوله «ففيه إشكال» يدفع الإشكال بأن الذي أجبره المولى على الخير وأورده الجنة ليس كمن أجبره على الشر وأورده النار قهرا لأن الذي أجبره المولى على الخير كان في نفسه شريرا وإلا لم يصدق في حقه الإجبار ومع ذلك أدخله بخلاف من أجبره على الشر فإنه كان في نفسه خيرا فأجبره على خلاف إرادته وساقه إلى النار فيرق له ويستأهل للترحم وهذا أوضح من الوجوه التي ذكرها الشارح. (ش) ٢ - قوله «عبدة الأوثان» الفرق بين الملحد والموحد والدهري والألهي والمشرك والملي أن الأول يعتقد مبدأ الوجود غير عالم ولا حكيم وأنه ليس بذي عناية في أفعاله، والألهي بالعكس من ذلك يعرف الله تعالى بعلمه وعنايته وتدبيره فمن ينسب إلى الله تعالى جبر العباد على المعصية وعقابهم عليها يجعله تعالى بمنزلة الطبيعة غير الشاعرة لا يميز بين المطيع والعاصي والخير والشرير والصالح والطالح بل ليس دليل الطبيعيين على رأيهم ومذهبهم إلا ما يرون من آفات وجوائح الطبيعة ودليل الألهيين ما يرون من عناية الباري بمصالح الموجودات وآيات العمد والتقدير والحكمة فيها، ودليل الثنوية الجمع وقد سبق مرارا، منها في الصفحة ٦٦ من المجلد الثالث وفي الصفحة ١٧ منه عن قول أرسطو طاليس ما يفيد هنا، فإن قيل: إن الفلاسفة أيضا مع أن كثيرا منهم إلهيون نفوا الغرض والاختيار في فعله تعالى ولا ينافي التوحيد مع الجبر. قلنا: الإلهيون منهم أرادوا بالغرض ما يكمل به الفاعل الناقص ولذلك نفوه عن فعل الله تعالى ولم ينفوا الغاية والفوائد والمصالح التي قدرها في المخلوقات لتكميل المخلوقات عن نقصهم كيف ولو كان كذلك لم يذكر الامام (عليه السلام) أرسطو طاليس ولم يحتج بكلامه في اثبات العمد والتدبر في فعله تعالى خلافا للطبيعيين القدماء، وما نفوه عن الله تعالى هو العزم بعد الترديد وسموا عزمه تعالى من غير سبق ترديد عناية وقد ملؤوا كتبهم في التشريح والطب والطبيعيات من آثار عناية الباري تعالى ومصالحه وحكمه التي راعاها في خلق الأشياء فراجع. (ش)
(٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 ... » »»
الفهرست