مثل هذه العقائد الفاسدة مع أن الواحد من آحاد الناس لو نسب إليه غيره أنه يسيء إلى من أحسن ويذمه ويحسن إلى من أساء ويمدحه قابله بالشتم والسب ولم يرض بذلك فكيف يليق أن ينسب إلى ربه ما يكرهه أدنى الناس لنفسه، وأما المذكور في هذا الكتاب ففيه إشكال (1) لأن المسئ والمحسن إذا كانا متساويين فكيف يوصف المذنب بأنه أولى بالإحسان من المحسن والمحسن بأنه أولى بالعقوبة من المذنب؟
ويمكن دفعه بوجوه; الأول: أنه أجبر المذنب على القبائح والقبائح من حيث هي لذات حاضرة إحسان وأجبر المحسن على الطاعات والطاعات من حيث هي مشقة عقوبة حاضرة وهذا هو المراد بالأولوية ههنا.
الثاني: وهو مبني على تحقق الثواب والعقاب في الآخرة مع الجبران القبيح من حيث هو شر بلية والطاعة من حيث هي خير راحة فيقتضي ذلك مقابلة الأول في الآخرة بالإحسان ومقابلة الثاني بالعقوبة.
الثالث: هو أيضا مبني على ذلك أن المعصية راحة حاضرة والطاعة مشقة ظاهرة وجبرهما على ذلك إما لأجل القابلية أو لأنه تعالى يفعل ما يشاء وعلى التقديرين يلزم الأولوية المذكورة، أما على الأول: فلأن الذات غير متغيرة فيلزم أن يكون ذات المذنب أولى بالراحة والإحسان دائما وذات المحسن أولى بالمشقة والعقوبة دائما ليصل إلى كل أحد ما عود به وهو به أليق، وأما على الثاني:
فلأن الأصل بقاء ما كان على ما كان فيلزم أن يحسن إلى المذنب ويثيبه فيحصل له الربح في الدارين ويتخلص من المشقة في الكونين وأن يعاقب المحسن فيحصل له مع المشقة الحاضرة المشقة في الآخرة (تلك مقالة إخوان عبدة الأوثان) (2) لعل المراد بعبدة الأوثان مشركوا العرب