شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ٤٩
(ويفسد ما مضى مما أفنى من خلقه) «يفسد» من أفسدت الشيء لعدم كونه على وجه المصلحة، والمفسدة خلاف المصلحة وهو عطف على يخلق، وصح ذلك; لأن «ما» مصدرية كما أشرنا إليه ولو جعلت موصولة أو موصوفة لم يصح و «ما مضى» مفعوله و «مما أفنى» بيان لما مضى والمقصود - والله أعلم - أنه ليس له علم حادث استعان به على الروية والتفكر في الخلق والإيجاد والإفناء والإفساد فكما لا يتفكر في استصلاح ما يخلق كذلك لا يتفكر في استصلاح ما يفسد لعدم وقوعه على وجه المصلحة كما هو شأن الفاعل بالعلم الحادث الناقص الذي يستكمل في الصنايع بالتجربة وتكرر الأفاعيل، وإلى هذا المعنى أشار أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: «ومنشئهم بحكمه بلا اقتداء ولا تعليم، ولا احتذاء لمثال صانع حكيم، ولا إصابة خطأ» (1) ومعنى قوله (عليه السلام) «ولا إصابة خطأ» أنه يخلق أولا اتفاقا على سبيل الاضطراب والخطأ في المصلحة من غير علم منه على وجهها، ثم علمه بعد ذلك بالرؤية والتفكر فأفسد ما فعله واستدرك فعله على وجه المصلحة وأحكمه.
(مما لو لم يحضره ذلك العلم ويغيبه كان جاهلا ضعيفا). هذه الجملة إما في محل الجر على أنها صفة أخرى لعلم حادث أو في محل النصب على أنها حال عنه و «ما» في «مما» موصولة أو موصوفة، والعائد إليها اسم الإشارة، والضمير المنصوب في قوله «لم يحضره» راجع إليه سبحانه و «يغيبه» على صيغة المضارع بالغين المعجمة والباء الموحدة بعد الياء المثناة من تحت من الغيبة، والأصل يغيب عنه بالحذف والإيصال، وهو عطف على قوله «لم يحضره» وفي بعض النسخ «تغيب» على صيغة الماضي من باب التفعل، والأصل فيه تغيب عنه. وفي كتاب العيون «ويعنه» على صيغة المضارع المجزوم من الإعانة لكونه معطوفا على مدخول «لم» (كما أنا لو رأينا علماء الخلق إنما سموا بالعلم). في كتاب العيون أيضا «بالعلم» خلافا لما تقدم (لعلم حادث) قائم بذواتهم بعدما لم يكن (إذ كانوا فيه جهلة) بفتح الجيم والهاء جمع جاهل. وفي كتاب العيون «قبله» بدل «فيه» وكون علماء الخلق جاهلين أمر ظاهر فإن أكثرهم كانوا خالين عن العلم في بدء الفطرة ثم حصل لهم العلوم بالتجربة والممارسة، وبعضهم وإن لم يكن خاليا عنها كالنفوس الهيولانية العالية والعقول المجردة النورانية لكن في مرتبة ذاته الممكنة العارية عن حلية العلوم كان جاهلا، وإنما اتصف بالعلم بعد ملاحظة الذات وتكميلها فهو في مرتبة الذات كان جاهلا بخلاف الحق جل شأنه فإن علمه في مرتبة ذاته العالمة بكل شيء من كل جهة بالفعل لأنه عينها (وربما فارقهم العلم بالأشياء) لعروض النسيان والغفلة (فعادوا إلى الجهل) كما كانوا فيه أولا (وإنما سمي

1 - النهج، قسم الخطب، تحت رقم 189.
(٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 ... » »»
الفهرست