شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ٥٣
أي الثابت الوجود أزلا وأبدا على امتناع أن يسبقه أو يلحقه عدم، ويقال للباقي بهذا المعنى: الأزلي الأبدي، ولا يستحق هذا الاسم إلا هو (والقائم أيضا يخبر عن الكفاية كقولك للرجل قم بأمر بني فلان أي أكفهم) مؤنتهم وسائر ما يحتاجون إليه والله سبحانه هو الكافي على الإطلاق لأنه يكفي بلا معاناة ولا آلة جميع ما يحتاج إليه، عالم الإمكان من الوجود والصفات والكمالات والأسباب والأرزاق وغيرها وإنما لم يذكره; لأن شهرته كفت مؤونة ذكره، وبالجملة القائم إذا أطلق عليه سبحانه يراد به الحفظ أو البقاء أو الكفاية لا القيام على ساق (والقائم منا قائم على ساق) أي على ساق القدم أو على سبب يقيمه، ولا يتحقق شيء من هذين المعنيين فيه جل شأنه لتنزهه عن الجسمية والقدم والساق والسبب.
فإن قلت: القائم قد يخبر في الخلق عن الحفظ والكفاية والبقاء، أما الأولان فقد صرح به (عليه السلام) وأما الأخير فلأن الباقي يصدق على الجنة والنار والنفوس المجردة والبدن بعد بعثه وغيرهما مما كان وجوده أبديا، بل يصدق على الموجود وإن كان منقطع الوجود في الطرفين، فصرف القيام عن ظاهره إلى هذه المعاني لا ينفع; لوقوع التماثل والتشابه فيها.
قلت: هذا مدفوع أما أولا فلأن هذه المعاني فينا تابعة للقيام على ساق لأنه قد يجعل كناية عنها، وفي الواجب غير تابعة له. وأما ثانيا فلأن هذه المعاني فينا صفات حادثة ناقصة قائمة بنا، مستندة إلى آلات وأسباب معتبرة في تحققها، وفي الواجب يعتبرها العقول على الوجه الأكمل لذاته المقدسة بذاته من غير اعتبار صفة زائدة قديمة أو حادثة تحل فيه لتعاليه عن التحديد والتوصيف فلا اشتراك فيها أيضا إلا بحسب الاسم (فقد جمعنا الاسم ولم نجمع المعنى) إن كان «جمعنا» بسكون العين كان «لم نجمع» بالنون وإن كان بفتحها كان لم يجمع بالياء المثناة من تحت، والتقدير: لم يجمعنا المعنى، والأخير وإن كان خلاف الظاهر لاحتياجه إلى الحذف ومخالفته لظاهر ما سبق لكن يؤيده ما نقله الصدوق في كتابي العيون والتوحد بقوله: «ولم يجمعنا المعنى».
(وأما اللطيف فليس على قلة) في الحجم (وقضف) في الجسم. والقضف - محركة كعنب - الدقيق والنحيف، وقد قضف بالضم قضافة فهو قضيف أي نحيف (وصغر) في المقدار; لأن كل ذلك من صفات الجسم والجسمانيات وقدس الحق منزه عنها (ولكن ذلك على النفاذ في الأشياء) (1) أي

1 - قوله: «على النفاذ في الأشياء» كان معناه ما تكرر في كلام أمير المؤمنيين (عليه السلام): «داخل في كل شيء لا كدخول شيء في شيء» وكما في قوله تعالى: (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) وقد عبر عنه الشارح بقوله على معنى نفاذ علمه وقدرته وحكمته، وبالجملة هو الوجود الأصل القائم بنفسه المستغني عن كل شيء وغيره وجود ربطي تعلقي غير مستقل لا ينظر إليه بذاته ولا يتحقق له حقيقة، إن قطع النظر عن علته فهو مع كل شيء، والخاصة الظاهرة للموجودات اللطيفة اثنتان; الأولى:
النفاذ، والثانية: عدم كونه مدركا بالحواس، فإن اللطيف البالغ في اللطافة لا يحس ببصر ولا يدرك بلمس، وهاتان الخاصتان ثابتتان للبارى تعالى من غير أن يثبت له المقدار وساير لوازم الجسمية، وبهذا يعلم أن اللطيف قد يستعار في اصطلاح الشرع للموجود المجرد، وببالي أن صدر المتألهين - قدس سره - ذكر في شرح قوله تعالى: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) أن الله تعالى مجرد، ومقتضى التجرد العلم، ففهم من اللطف التجرد، وهذا الحديث يؤيده. (ش)
(٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 ... » »»
الفهرست