الله عالما لأنه لا يجهل شيئا) (1) لأنه بذاته الحقة القديمة عالم بجميع الأمور مستقبلها وماضيها كليها وجزئيها بحيث لا يتفكر ولا يتروى، ولا يزيد علمه ولا ينقص، ولا يتغير ولا يتبدل، ولا يجهل ولا ينسى، وبالجملة علمه هو الذات القدوسية الحقة وعلم غيره صفة فاقرة قائمة بذات فاقرة (فقد جمع الخالق والمخلوق اسم العالم واختلف المعنى على ما رأيت) فإطلاق العالم على الخالق والمخلوق كإطلاق العين على الباصرة والذهب فالاشتراك بينهما إنما هو في الاسم دون المعنى (وسمي ربنا سميعا لا بخرت فيه يسمع به الصوت ولا يبصر به) بل يسمع بما يبصر ويبصر بما يسمع وهو نفس ذاته المقدسة والخرت بفتح الخاء المعجمة وضمها وسكون الراء المهملة قبل التاء المثناة من فوق الثقب في الأذن وغيرها، وفي كتاب العيون «لا بجزء فيه» (كما أن خرتنا) في كتاب العيون: «كما أن جزءنا» (الذي به نسمع) الأصوات الداخلية فيه الواصلة إلى القوة المنبثة على العصب المفروش تحته، وهذا العصب محل لهذه القوة المدركة للصوت، والخرت طريق لوصول الصوت إليها (لا نقوى به على البصر) أي على إدراك المبصرات; لأن له خرتا آخر يختص به.
ولما أشار إلى أن سمعه للأصوات ليس بشق الأذن وخرته كما في الإنسان لتنزهه عن الجسمية وآلاتها أشار إلى ما هو المقصود منه بقوله (ولكنه أخبر) أي ولكن السميع أخبر، أو ولكن الله تعالى أخبر بإطلاق السميع عليه (أنه لا يخفى عليه شيء من الأصوات) حتى صوت الذرة في الفلاة وحسيس النملة على الصفاة (ليس على حد ما سمينا نحن) «سمينا» على صيغة المجهول و «نحن» تأكيد للضمير المرفوع المتصل يعني ليس تسميته تعلى بالسميع على حد تسميتنا به وعلى معناه (فقد جمعنا الاسم بالسميع) أي التسمية به. و «جمعنا» إما بسكون العين على صيغة المتكلم مع الغير