شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ٥١
أو بفتحها على صيغة الغائب المذكر، والاسم على الأول منصوب على المفعولية وعلى الثاني مرفوع على الفاعلية (واختلف المعنى); لأن السمع في الواجب هو العلم بالمسموعات بنفس الذات (1) لا بالأداة، وفينا إدراك المسموعات بالشقوق والأخرات، وهذا مخالف لذاك; لأن العلم بالمسموعات من جهة الآلات غير العلم بها لا من جهتها.
لا يقال: هذا إنما يثبت التخالف بين هذين المقيدين لا مطلقا; لوقوع التشابه بينه وبيننا في الجزء المشترك بينهما وهو العلم بالمسموعات.

١ - قوله: «هو العلم بالمسموعات بنفس الذات» قد يختلج في أذهان قوم أن السمع والبصر يختصان بأصحاب الآلات والجوارح وليس لواجب الوجود والعقول القادسة هذان الإدراكان البتة فيلزم كون الأجسام الحية بالعرض أكمل في الإدراك ممن هو أصل معنى الحياة والإدراك، ومن حياة غيره مأخوذة منه. وهذا مما لا يلتزم به ذو مسكة بل الحق أن كل من تعرض لهذه المسألة معترف بكمال العلة البتة وإنما يحذف الآلة فقط ولا ضير فيه، وأعلم أن أصل الإدراك لغير الجسم كما قلنا; إذ ليس من شأن الأجسام أن تدرك ما ينتقش فيها.
فإن قيل: كيف وقد أثبت الحكماء جسمانية القوى الحاسة بل لا يشك فيه العوام أيضا فإن الحواس الظاهرة الخمس جسمانية بالبديهة وتعدم بفساد مزاج أعضائها وأيضا يعرض النوم على أعصاب الحس فيسلب قوة الإدراك الحسي ويعرض الإغماء على الدماغ فيسلب الادراكات الباطنة أيضا خصوصا الإغماء بأدوية الجراحين مثل كلرفورم تغلب على الدماغ فلا يدرك الإنسان شيئا حتى أنه يغفل عن نفسه ولا يرى رؤيا ولا حلما كما في النوم فإن النائم يملك المتخيلة والحس المشترك والواهمة وإن فقد الاختيار، ويمكن لليقظان أن ينصرف من التخيل في شيء إلى التخيل في آخر باختياره ولكن النائم يتخيل فيها قهرا بغير اختيار، والمغمي عليه لا يملك المتخيلة ولا الحس المشترك، نعم إن القوة الحافظة لا تعدم بعروض النوم والإغماء ولذلك إذا استيقظ الإنسان أو أفاق من غشيته وجد نفسه مع جميع مدركاته السابقة ولو كانت الحافظة معدومة استحال عودها وعود مدركاتها إذ لم تكن إلا في الحافظة وقد ينسى النائم بعض الأمور مع ذكره بعضها مثلا يرى أباه وأمه الميتين في المنام ويعرفهما لبقاء الحفظ في الجملة وقد ينسى أنهما ماتا وقد لا ينسى، وهذا لا يدل على فناء الحافظة بل على وجودها وإنما يفقد القوة الذاكرة أي ملكة التذكر واستخراج ما في الحافظة وإحضاره في الحس المشترك ولذلك قال بعض أهل عصرنا من فلاسفة الإفرنج: إن الحافظة مجردة غير جسمانية لوجودها مع تعطل جميع الأعضاء خلافا لقدمائنا حيث قالوا بجسمانيتها إذ قد تعدم في أواخر الشيخوخه أو تضعف، والضعف لا يعرض إلا لضعف الدماغ.
قلنا جميع ذلك حق لأنا لا ننكر كون هذه الجوارح آلات للاحساس وكما يفقد الحس بفقد المدرك يفقد لفقد الآلة، ولكن نقول: ليس المدرك هذه الآلات بأنفسها كما يقول الطبيعيون بل المدرك شيء آخر وهذه آلاته ومثلنا مثل من يقول: الإنسان يدرك بالمنظار، ومثل الطبيعيين مثل من يقول: المنظار يدرك بنفسه، إذا ثبت هذا فإن قلنا بقول الطبيعيين امتنع إثبات معنى السمع والبصر لله تعالى إذ هما للجسم لا غير، وإن قلنا بقول الإلهيين لم يمتنع إثبات الكشف التام الواضح الذي يسمى سمعا وبصرا له تعالى بغير آلة، وهذا معنى قول المتكلمين: إن بصره علمه بالمبصرات وهكذا. (ش)
(٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 ... » »»
الفهرست