شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ١٩١
إنما أريد بذلك نفي الوحدة العددية لا إثباتها له.
أقول: ويمكن الجواب عنه أيضا بأنه أريد بذلك أن لك وحدانية العدد بالخلق والإيجاد لها فإن الوحدة العددية من صنعه وفيض وجوده.
(والخالق لا بمعنى حركة); لأن الحركة من لوازم الجسم وتوابع الاستعداد والانفعال وهو منزه عنها وإنما هو خالق بمجرد الإرادة كما قال: (إنما إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون) (والبصير لا بأداة) أي لا بقوة باصرة (والسميع لا بتفريق آلة) أي لا بتفريق القوة السامعة وتوزيعها على المسموعات وهو توجيهها تارة إلى هذا المسموع وتارة إلى ذلك كما يقال فلأن مفرق الخاطر إذا وزع فكره على حفظ أشياء متباينة ومراعاتها كالعلم وتحصيل المال، وتنزه إدراكه تعالى عن ذلك ظاهر لكونه من توابع الآلات الجسمية والنفوس البشرية.
(والشاهد لا بمماسة) أي الحاضر عند كل شيء لا بمماسة شيء من الأشياء; لأن حضوره ليس كحضور الجسم والجسمانيات المستلزم لتماسها وتقاربها في الأين والوضع بل حضوره عبارة عن إحاطة علمه بكل شيء (والباطن لا باجتنان). (1) في كنز اللغة: الاجتنان: «پنهان شدن ودفن كردن» أي

1 - «الباطن لا باجتنان» والأظهر أن الباطن بمعنى الباطن في كل شيء كما تكرر مفاده في كلامه (عليه السلام) «داخل في الأشياء لا بالممازجة وخارج عنها لا بالمباينة» ولا يخفى أنه لو كان ممازجا كان باطنا باجتنان وهو محال ولزم التجزي والتعدد تعالى الله عنه، ولو كان مباينا عن الأشياء لزم استقلال الأشياء واستثناؤها عنه في البقاء بل في الحدوث أيضا وهذا هو الوحدة العددية التي نفاها أمير المؤمنين (عليه السلام) عن ذات واجب الوجود إذ يلزم منه كون مجموع الموجودات حاصلا من آحاد متباينة متمايزة أحدها واجب الوجود والباقي ممكنات فيكون هو تعالى في عرض الممكنات مع أن شيئا منها لا يستحق أن يعد شيئا معه، ولا أقرب إلى الفهم إلا أن يسمى جميعها عدما أو ربطا أو ظلا وأمثال ذلك مما يجعلها لا شيئا في الحقيقة، وقد يمثل بالنفس والقوى، ولله المثل الاعلى، وليس كمثله شيء، فالنفس في وحدتها كل القوى، والبصر غير السمع، وهما غير الذوق والشم واللمس وكلها متحدة في ذات النفس، لأنا نعلم أن الذي يبصر هو الذي يسمع، ونعلم أيضا أن البصر لا يدرك الصوت، والسمع لا يدرك اللون، والنفس مدركة لها، محيطة بجميعها والله تعالى قاهر عليها ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم من غير أن يلزم حلول، تعالى الله عنه، فإن الحلول ينبئ عن تأصل الممكن وأقوائيته في الوجود وأشديته في التحصيل من الحال فيه مع أنه ليس شيئا إلا بقيوميته تعالى، فالحلول يجعل وجوده تعالى تابعا وعرضا في الممكن ووحدة الوجود يجعل الممكنات لا شيئا حتى ينحصر الوجود في الواجب عز وجل، ويصح أن يقال لا هو إلا هو. (ش)
(١٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 ... » »»
الفهرست