شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ١٨٩
ثم قال لتأكيد ذلك أو لتعميم المغايرة بينه وبينهم بحسب الذات والصفات كلها: (ولافتراق الصانع من المصنوع والحاد من المحدود والرب من المربوب); لأن لكل من الصانع والمصنوع صفات تخصه وتميزه وهي أليق به وهو بها يفارق الآخر وهذا هو الحجاب، فالإمكان الذاتي والوجود بالغير والمخلوقية والحدوث والاشتباه والمرئية والملموسية بالمشاعر والحجب بالسواتر من لواحق المصنوعات ومما ينبغي لها ويليق بها. والوجوب الذاتي والخالقية والأزلية والتنزه عن المشابهة والمرئية ولمس المشاعر وحجب السواتر من صفات الصانع الأول ومما ينبغي له ويليق به ويضاد ما سبق من صفات المصنوعات، فلو جرى فيه صفات المصنوعات وجرى في المصنوعات صفاته لوقع المساواة والمشابهة بينه وبينها فيكون مشاركا لها في الحدوث المستلزم للإمكان المستلزم للحاجة إلى الصانع، فلم يكن بينه وبينها فصل ولا له عليها فضل، وكل ذلك - أعني المساواة والمشابهة وعدم الفضل والفصل - ظاهر البطلان. وأراد بالحاد خالق الحدود والنهايات (1) وهو الصانع، واعتباره غير اعتبار الرب لدخول المالكية في مفهوم الرب دون الصانع.
(الواحد بلا تأويل عدد); لأن وحدته ليست بمعنى كونه مبدأ لكثرة تعد به ويكون معدودا من جملتها بأن يقال: هو واحد لا اثنان; لأن الإنسان أيضا واحد بهذا المعنى مع ما فيه من التركيب والتجزية، أو يقال: هو واحد آحاد الموجودات المتألفة من الوحدات، إذ لو كان واحد بمعنى أنه من جملة الآحاد المعدودة لكان من جنسها وكان داخلا في الكم المنفصل فكان موصوفا بالعرض بل بمعنى أنه لا ثاني له في الوجود (2) ولا كثرة في ذاته، لا في الذهن ولا في الخارج. ولا اختلاف في

١ - قوله: «أراد بالحاد خالق الحدود والنهايات» يوصف الممكن بالمحدودية والواجب بعدم الانتهاء ولا يخفى أن ليس المراد الحد المقداري إذ ليس الواجب وبعض الممكنات متصفا بالمقدار حتى يوصف بالحد أو بغير التناهي، وإنما المراد الحد بمعنى الماهية فإنها تحدد الوجود وتمنعه من بعض الآثار، ولأن كل مهية لها آثار خاصة بها لا تتعداها إلى غيرها بخلاف واجب الوجود فهو تعالى في عين وحدته لا يمتنع منه فعل وأثر، وأيضا الوجود المحض مطلق والوجودات المختلفة بالمهيات مقيدة وقد سبق بيانه بوجه آخر في محله، وإذا لم يكن للأشياء وجود في نفسها بل كان وجودها ربطيا تعلقيا بل عين الربط والتعلق صح أن يقال هو حاد وهذه محدودة وقد مر في الصفحة ١٧٦ من هذا المجلد كلام يتعلق بالحد والمحدود فراجع إليه. (ش) ٢ - «بل بمعنى أنه لا ثاني له في الوجود» تفسير الواحد به من دقائق علم التوحيد وأسرار المعارف الإلهية التي لا يهتدي إليها إلا العقول المتمرنة في دقائق البرهان المنورة بنور الوجدان وكلام أمير المؤمنين (عليه السلام) رد على من زعم أنه ليس في الشرع أمر دقيق ومسألة غامضة إلا ما يفهمه عامة الناس ولهم فائدة في حياتهم ومعاشهم; لأن تأكيده (عليه السلام) في كلامه وخطبه نفي الوحدة العددية يدل على أن فهم هذه المسألة من الأمور الهامة مع أنه ليس سهلا على الأكثر ولا يفيدهم في معاشهم ومعاشراتهم كالآداب والقوانين الأخلاقية والأحكام الفقهية وقد ورد في كتاب التوحيد للصدوق عليه الرحمة حديث عنه (عليه السلام) في معنى الواحد وأنه على أربعة أوجه لا يجوز اثنان منها عليه تعالى ويجوز إطلاق اثنين، قال الراوي وهو شريح بن هاني: إن أعرابيا قام يوم الجمل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: يا أمير المؤمنين أتقول إن الله واحد; قال: فحمل الناس عليه وقالوا: يا أعرابي أما ترى ما فيه أمير المؤمنين (عليه السلام) من تقسم القلب؟ فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): دعوه فإن الذي يريده الأعرابي هو الذي نريده من القوم. ثم قال: يا أعرابي إن القول في أن الرب واحد على أربعة أقسام، فوجهان منها لا يجوزان على الله عز وجل ووجهان يثبتان فيه، فأما اللذان لا يجوزان عليه فقول القائل «واحد» يريد به باب الأعداد فهذا ما لا يجوز، لأن ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد، أما ترى أنه تعالى كفر من قال ثالث ثلاثة، وقول القائل «هو واحد من الناس» يريد به النوع من الجنس فهذا ما لا يجوز عليه لأنه تشبيه، وجل ربنا عن ذلك وتعالى، وأما الوجهان اللذان يثبتان فيه فقول القائل إنه هو عز وجل في الأشياء واحد ليس له في الأشياء شبه، كذلك ربنا. وقول القائل أنه عز وجل أحدى المعنى، يعني به أنه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم كذلك ربنا عز وجل، انتهى.
ولا ينبغي أن يتعجب من سؤال الأعرابي هذه المسألة العميقة ولا من تكلم أمير المؤمنين معه إذ قد حكي من فصحاء الأعراب وأهل البدو في الدقة والفرق بين المعاني وإيراد الكلام على مقتضى المقام ما هو أعجب، ولو سألنا سائل بدوي عن غير ما يتعلق بطهارته وعبادته لم نجب عنه وقلنا عليك بواجبات تكاليفك العملية وما لك والدخول في هذه المعضلات التي لا تفيدك، ثم ضبط الراوي ونقله وهو شريح غير عجيب لأنه مع جميع هناته كان فطنا جدا لا يبعد منه الاعتناء بهذه الأمور وضبطها وفهمها، وسيأتي قريبا تفسير للمعاني الأربعة إن شاء الله تعالى. (ش)
(١٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 ... » »»
الفهرست