شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ١٨٦
(وبحدوث خلقه على أزله) إذ لو كان حادثا لكان مثلهم في الحدوث وليس كمثله شيء (1) وإذا بطل حدوثه ثبت أزله، وأيضا قد ثبت أن جميع المحدثات صادرة عن قدرته ومشيته متنهية إليه في سلسلة الحاجة، فلو كان - تعالى شأنه - محدثا لكان محدثا لنفسه وهو محال وباطل بالضرورة، وإذا لم يكن محدثا كان قديما أزليا.
(وباشتباههم على أن لا شبه له) (2) أي الدال باشتباه بعضهم ببعض ومشاركتهم في معنى الإمكان

1 - «وليس كمثله شيء» قد مر سابقا أن مثل هذا البيان غير كاف لتفسير كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) ولو صح هذا لجرى مثله في العلم والقدرة والحياة فإن هذه الصفات موجودة في الممكنات ولو كانت في الواجب أيضا لكان مثلهم وليس كمثله شيء وقلنا سابقا: إن هذا نظير قياس المساواة يصح بمقدمة مطوية حيث صحت فيقال ألف مساو ل‍ «ب» و «ب» مساو ل‍ «ج» فألف مساو ل‍ «ج» ولا يقال ألف نصف «ب» و «ب» نصف «ج» فألف نصف «ج»; لأن نصف النصف ليس نصفا. والوجه أن يطلب هاهنا المقدمة المطوية على أن حدوث خلقه كيف يدل على أزليته، ثم النظر في أن حدوث بعض الممكنات كأفراد الإنسان يكفي في الدلالة على أزليته أو يجب إثبات حدوث الجميع، والحق أنه يجب إثبات حدوث الجميع، ونورد هنا كلاما من الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) أورده الصدوق في التوحيد جوابا عن سؤال ابن أبي العوجاء قال: ما الدليل على حدوث الأجسام فقال الإمام (عليه السلام):
«إني ما وجدت صغيرا ولا كبيرا إلا إذا ضم إليه مثله صار أكبر وفي ذلك زوال وانتقال عن الحالة الأولى ولو كان قديما ما زال ولا حال; لأن الذي يزول ويحول يجوز أن يوجد ويبطل فيكون بوجوده بعد عدمه دخول في الحدث وفي كونه في الأزل دخوله في القدم ولن يجتمع صفة الأزل والعدم في شيء واحد فقال عبد الكريم:
هبك علمت في جرى الحالتين والزمانين على ما ذكرت واستدللت على حدوثها فلو بقيت الأشياء على صغرها من أين كان لك أن تستدل على حدوثها؟ فقال العالم (عليه السلام): إنما نتكلم على هذا العالم الموضوع فلو رفعناه ووضعنا عالما آخر كان لا شيء أدل على الحدث من رفعنا إياه ووضعنا غيره (أقول: وهذا صريح في أن المراد الحدوث الذاتي أعني الإمكان وتطرق احتمال العدم ثم قال (عليه السلام):) ولكن أجبتك من حيث قدرت أنك تلزمنا وتقول إن الأشياء لو دامت على صغرها لكان في الوهم أنه متى ما ضم شيء منه إلى مثله كان أكبر، وفي جواز التغير عليه خروجه من القدم كما بان في تغيره دخوله في الحدث ليس لك وراءه شيء يا عبد الكريم فانقطع وخزى» انتهى ما أردنا نقله من كلامه القدوسي الذي لا يمكن أن يصدر إلا من الروح الذي معهم كما ورد في الحديث. وبيانه أن كل شيء احتمل في حقه أن لا يكون فإثبات الوجود له إنما يكون بعلة وليس الواجب إلا من لا يحتمل في حقه العدم أصلا، ولما كان الجسم صغيرا أو كبيرا يحتمل عدمه ووجود شيء آخر مكانه لم يكن واجبا. وهذا معنى الحدث الذي يجب اثباته لما سوى الله، أعني عدم كون وجوده لذاته بل مقتبسا من غيره ويعلم من ذلك أن المراد بالحدوث الامكان وتعلق الوجود بالغير والمخلوقية إذ لا يستفاد من كلام الإمام أكثر من ذلك، وأما تقدم الزمان على وجود الممكن فغير معقول وتناقض أولا وغير مستفاد من كلامه (عليه السلام) ثانيا. راجع الصفحة 304 من المجلد الثالث. (ش) 2 - قوله: «باشتباههم على أن لا شبه له» أي الشباهة يقتضي اشتراك شيئين في معنى هو وجه الشبه مع افتراقهما وافتراقهما لا بد أن يكون بالوجود ولوازمه إذ لا يعقل أن يكون شيئان الا بتغاير وجوديهما، والشباهة إنما تكون في الماهية وصفاتها واشتراك الشيئين فيها وليس له تعالى اشتراك مع شيء في ماهية وصفات ماهية، فإن قيل:
الشباهة بمعنى الاشتراك في صفة ولا ريب أنه تعالى مشترك مع الممكنات في كثير من الصفات كالعلم والقدرة والحياة وغير ذلك؟ قلنا: ليس المراد هنا الاشتراك في المفاهيم والالفاظ بل في الحقائق، ولا ريب أن صفاته تعالى عين ذاته حقيقة وحقيقته الوجود الذي لا يشترك معه أحد فيه وانما الاشتراك في المفهوم فقط، والحاصل أن التشابه يدل على وجود حد وماهية وكون الواجب تعالى مشتركا ماهية مع بعض الأشياء دون بعض وهو منزه عن ذلك. (ش)
(١٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 191 ... » »»
الفهرست