شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ١٩٠
صفاته، ولا يشبهه شيء، ولم يفته شيء من كماله بل كل ما ينبغي له فهو له بالذات والفعل. قيل: نفي الوحدة العددية عنه (1) ينافي ما في بعض أدعية الصحيفة «لك يا إلهي وحدانية العدد» وأجيب بأنه

1 - «نفي الوحدة العددية عنه» تأويله هذا بعيد جدا; لأن ظاهر المتبادر من كلمة له إثبات الوحدة له تعالى بنحو الوصفية لا بمعنى الملكية والأولى أن يقال الوحدة العددية التي أثبتها زين العابدين (عليه السلام) غير الوحدة العددية التي نفاها جده أمير المؤمنين (عليه السلام); لأن الوحدة مبدأ العدد لا محالة ويقابلها الكثرة بأي معنى فرضت، فجميع المعاني الأربعة التي ذكرها أمير المؤمنين (عليه السلام) الاثنان اللذان لا يجوزان والاثنان الجائزان تشترك في مفهوم واحد مقابل للتكثر كما بينه أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث قال: «هو عز وجل في الأشياء واحد ليس له في الأشياء شبه» وهذا نفي الكثرة فإن الشبه يوجب التكثر وكذلك قوله (عليه السلام) «أحدي المعنى» يعني به أنه لا ينقسم في وجوده. وهذا أيضا نفي التكثر فالذي أثبته زين العابدين (عليه السلام) الوحدة بمفهومها العام والذي نفاه أمير المؤمنين (عليه السلام) بعض مصاديقها فمن مصاديق الواحد المنفي، الواحد الذي له شبيه في وجوده ومثيل في رتبته وهو أكثر المصاديق وتتبادر الأذهان إليه، ولا ريب أنه ينفي هذه الوحدة عنه تعالى كما ينفي عن كل شيء لا نظير له، مثلا خاتم الأنبياء (صلى الله عليه وآله) واحد لا بمعنى أن له ثانيا وثالثا بل بمعنى أنه واحد لا نظير له، وأما زيد فواحد من الرجال بمعنى أن له ثانيا وثالثا. ويقال: جالينوس واحد الأطباء أي لم يكن أحد في رتبته وامرؤ القيس واحد الشعراء كذلك، وأقليدس واحد المهندسين ويقال: زيد أحد الأطباء أو أحد الشعراء بمعنى أن أمثاله كثير ويناسب هنا الإشارة إلى الفرق بين المعاني الأربعة إجمالا فنقول:
قد يلاحظ تساوي ما يتصف بالوحدة مع غيره من مشاركاته فيقال: زيد أحد أفراد الإنسان أي لا ميز بينه وبينهم ولا فضل له عليهم، وقد يلاحظ تميزه في الجملة فيقال: الإنسان واحد من أنواع جنس الحيوان فإنه متخصص بفصل كأن تميزه مسلم مقطوع به ويراد بيان ما يشرك معه، وقد يلاحظ تفرده وتميزه مطلقا ونفي الاشتراك وأنه لا نظير له كما مثلنا بقولنا: أمرؤ القيس واحد الشعراء، وقد يقطع النظر عن ملاحظة الغير أصلا، ويطلق عليه الواحد باعتبار ذاته وماهيته فيقال: واجب الوجود واحد في ذاته أي غير منقسم، فالمعنيان الأولان لا يجوزان على الله تعالى والثانيان يجوزان. وقوله (عليه السلام) «لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم» عين ما ذكره الفلاسفة في أنحاء التقسيم في معنى الجزء الذي لا يتجزى فإن الشيء قد ينقسم في الوجود خارجا وهو ظاهر إما بالكسر أو بالقطع وغيرهما وقد لا ينقسم في الوجود لغاية صغره وعدم تمكن الآلة منه ولكن يقسمه الوهم، وقد لا يمكن للوهم أن يحضره فيقسمه، فيقسمه العقل، وأما الأجزاء العقلية فيقسم الشيء إليها العقل أيضا فانظر إلى كلامه (عليه السلام) كيف يبلغ الغاية ولا يغادر صغيرة ولا كبيرة من العلم إلا بينها وأوضحها لك، وأعلم أنك لن تضل بعد متابعته حتى يوردك الجنة إن شاء الله تعالى ثم إن لنفى الوحدة العددية معنى أدق سنشير إليه في شرح قوله: «الباطن لا باجتنان».
قال في الوافي: وأما ما ورد في بعض الأدعية السجادية (عليه السلام) من قوله: لك يا إلهي وحدانية العدد فإنما أراد بذلك جهة وحدة الكثرات واحدية جمعها لا إثبات الوحدة العددية. (ش)
(١٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 185 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 ... » »»
الفهرست