أن يترقى إلى توحيده وتنزيهه عن الشركاء، الثالثة أن يترقى إلى نفي الصفات التي يعتبرها العقل عنه وهي غاية العرفان ومنتهى قوة الإنسان. وكل واحدة من الأولين مبدأ لما بعدها، وكل واحدة من الأخيرتين كمال لما قبلها فلذا قال (عليه السلام):
(وكمال معرفته توحيده، وكمال نفي الصفات عنه) توضيح ذلك: أن التصديق بوجوده بدليل يقتضيه تصديق ناقص، تمامه توحيده والتصديق بأنه واحد لا شريك له، ثم هذا التوحيد والتصديق مع الجهل بنفي الصفات عنه ناقص. تمامه نفيها عنه ووجه نقصانه أنه يستلزم حدوثه ونفي الأزلية عنه كما أشار إليه (عليه السلام) بقوله:
(بشهادة كل صفة أنها غير الموصوف وشهادة الموصوف أنه غير الصفة) وهي الشهادة بلسان الحال فإن حال الصفة تشهد بحاجتها إلى الموصوف وعدم قيامها بدونه وحال الموصوف تشهد بالاستغناء عن الصفة وقيامه بدونها فهما متغايران.
(وشهادتهما جميعا بالتثنية) (1) إذ هما تشهدان بلسان الحال عن اجتماعهما وتقارنهما بالتثنية والتعدد أعني الذات المعروضة للصفات والصفات العارضة لها.
(الممتنع منه الأزل) الممتنع صفة للتثنية والأزل فاعله، وضمير «منه» يعود إلى التثنية باعتبار أنه مصدر. وفي بعض النسخ: «منها».
وبيان ذلك الامتناع أن الواجب حينئذ ليس نفس الذات وحدها ولا نفس الصفة وحدها وإلا لزم افتقاره إلى الغير وأنه ينافي الوجوب الذاتي والغناء المطلق، بل هو المركب من مجموع الذات والصفة وكل مركب حادث (2) وكل حادث يمتنع منه الأزل الذي هو عبارة عن عدم الحدوث، على أن الواجب لو كان نفس الذات وحدها فلا شبهة في أن صفاته الزائدة عليه من كماله فهو ذو كثرة، وكل ذي الكثرة الذي كماله فيها ممكن لافتقاره إلى غيره، وكل ممكن حادث، وقد عرفت أن الأزل يمتنع من الحدوث وإذا ثبت المنافاة بين الأزل وزيادة الصفات ثبت أن من قال بزيادة الصفات فقد أبطل أزله، ولذلك فرع عليه قوله: