شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ١٨٨
بذلك لأن الوهم إنما يتعلق بالمعاني الجزئية المتعلقة بالمحسوسات والمواد الجسمانية فلا يمكن له إدراك الواجب المنزه عنها فضلا أن يحيط به ويطلع على كنه حقيقته.
(لا أمد لكونه) الأمد بالتحريك الغاية كالمدى يقال: ما أمده أي منتهى عمره، ولما كان الأمد هو الغاية ومنتهى المدة المضروبة لذي الزمان من زمانه، وثبت أنه تعالى ليس بذي زمان يعرض له الأمد، ثبت أنه دائم لا أمد لوجوده (ولا غاية لبقائه) لأنه منزه عن طريان العدم على وجوده، وهذا تأكيد للسابق ويحتمل أن يراد هنا بالأمد الأمر الممتد من الزمان وهو مدة العمر وهو يطلق على هذا المعنى أيضا كما صرح به الزمخشري في «الفائق» وهذا الاحتمال أولى; لأن التأسيس خير من التأكيد ومعناه حينئذ: لا زمان لوجوده لأنه منزه عن الزمان (1) ولأن وجوده قبل وجود الزمان.
(لا تشمله المشاعر) الظاهر أن المشاعر هي الحواس ويحتمل أن يراد بها المدارك مطلقا سواء كانت قوة مادية مدركة للحسيات والوهميات أو قوة عقلية مدركة للعقليات والفكريات إذ ليس للمدارك مطلقا إلى معرفة كنه ذاته سبيل ولا على الوصول إلى حقيقة صفاته دليل وإنما غاية كمالها هي الإيقان بوجوده بعد مشاهدة الآيات والبرهان منزها عن المشابهة بالخلق مجردا عن لواحق الإمكان.
(ولا تحجبه الحجب) لأن الحجب الجسمانية إنما تحجب الأجسام وعوارضها. وقد علمت أنه تعالى منزه عن ذلك، ولما أشار إلى أن المانع من رؤيته ليس هو الحجاب الجسماني، أشار إلى أن هناك نوعا آخر من الحجاب المانع بقوله: (والحجاب بينه وبين خلقه خلقه إياهم) أي الحجاب المانع من رؤيته تعالى هو أن خلقهم على صفات ليست من صفاته، ثم أشار إلى تعليل هذا المجمل بقوله: (لامتناعه مما يمكن في ذواتهم ولإمكان مما يمتنع منه) قوله «ولإمكان» بالتنوين عوضا عن المضاف إليه أي لامتناع ذاته سبحانه من كل ما يمكن في ذواتهم من الصفات ولإمكان كل ما في ذواتهم مما يمتنع منه سبحانه، وهذا حجاب مانع من رؤيته بالبصر لأن كونهم بحيث يتعلق بهم رؤية البصر من صفاتهم الممكنة، ولهم باعتبار هذه الصفة صفات أخرى وهي الوضع والجهة واللون وغيرها من شرايط الرؤية، وإذا كانت هذه الأمور من صفاتهم وكانت ممتنعة في حقه تعالى علم أنه امتنع أن يكون جل شأنه محلا لنظر العيون ومرئيا مثلهم ووجب أن يكون محتجبا عن أبصارهم بهذا الحجاب الذي هو الامتناع الذاتي لا بالحجاب الجسماني.

1 - قوله: «لأنه منزه عن الزمان» هذا شيء لا يرضى به كثير من الظاهريين كما مر ويقولون: الزمان مقدم على كل شيء; لأن كل شيء كان معدوما في زمان وكان لم يكن فيه أحد إلا الله تعالى وقد مضى زمان غير متناه على الله تعالى قبل أن يخلق العالم ومضى طرف من ذلك في الصفحة 320 من المجلد الثالث. (ش)
(١٨٨)
مفاتيح البحث: الزمخشري (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 183 184 185 186 187 188 189 190 191 192 193 ... » »»
الفهرست