شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ١٨٠
(ليعلم أن لا حجاب) أصلا (1) لا حسي ولا عقلي (بينه وبين خلقه) يمنعهم من مشاهدة وجوده والتصديق بثبوته وإلا لكان مشابها بخلقه في الاحتجاب وذلك باطل لامتناع المشابهة ولظهور نور

1 - قوله: «ليعلم أن لا حجاب أصلا» هذه العبارة وما شابهها تدل دلالة واضحة على صحة الاعتماد على الأدلة العقلية الحكمية ووجوب التفكر فيها; لأن دلالة كون الممكنات محجوبة بعضها عن بعض على عدم الحجاب بينه تعالى وبين خلقه متوقفة على مقدمات نظرية لا يهتدي إليها الظاهريون بمجرد مطالعة الألفاظ وفهم مداليلها لغة وعرفا، ومثلها قوله (عليه السلام) «بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له» وغيره من أمثاله. قال العلامة المجلسي (رحمه الله): عن بعض الأفاضل يعني صدر المتألهين (قدس سره) في تقرير الدليل أن الطبيعة الواحدة لا يمكن أن يكون بعض أفرادها علة لبعض آخر لذاته لأنه لو فرض كون نار علة لنار فعلية هذه ومعلولية تلك أما لنفس كونهما نارا فلا رجحان لأحدهما في العلية وللأخرى في المعلولية بل يلزم أن تكون كل نار علة للأخرى بل علة لذاتها ومعلولا لذاتها وهو محال، وإن كانت العلية لانضمام شيء آخر فلم يكن ما فرضناه علة علة بل العلة حينئذ ذلك الشيء فقط لعدم الرجحان في إحداهما للشرطية والجزئية أيضا لاتحادهما من جهة المعنى المشترك، وكذلك لو فرض المعلولية لأجل ضميمة فقد تبين أن جاعل الشيء يستحيل أن يكون مشاركا لمجعوله - إلى آخر ما قال - وهذه عبارة صدر المتألهين بعينها. أترى أن كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) يمكن فهمه من دون التفكر في أمثال هذه المطالب الدقيقة ولو كان ممكنا لم يحتج المجلسي (رحمه الله) إلى نقل عبارة الصدر (قدس سره) مع أنه نقلها في مرآة العقول وفي البحار أيضا.
واستدل أيضا صدر المتألهين هنا ببرهان أدق حاصله أن تأثير الجسم أن فرض تأثيره وتأثير قواه ومتعلقاته إنما يكون بمشاركة الوضع ولكن لا وضع لشيء بالقياس إلى ما لم يوجد بعد، إذ كل علة مقتضية للشيء فلها مرتبة في الوجود سابقة على وجود معلوله، وإذا كان تأثير العلة الجسمانية بمشاركة الوضع والوضع لا يتحقق إلا بعد وجود ما بالقياس إليه الوضع أو موضوعه أو مادته وأما ذات الجسم والمادة التي كلامنا فيه فلا يمكن أن يكون لموجدها وضع بالقياس إليها قبل وجودها وإلا لزم تقدم الشيء على نفسه، فإذن موجد الجسم يجب أن لا يكون جسما ولا جسمانيا فيكون مرتفع الذات عن عالم الاحتجاب والظلمات، فوجود المحتجبات دل على أن موجدها موجود غير محتجب عن الخلق. انتهى ما أردنا نقله. ولو كان مراد أمير المؤمنين (عليه السلام) ما خطر ببال بعض أهل الظاهر من التمسك بصرف عدم الاشتباه بتقرير أن كل صفة وجدت في الممكنات دلت على عدمها في الواجب تعالى، مثلا: وجود الحجاب في الممكنات دال عدمه في الواجب ووجود الزمان والمكان والجسم والمشعر والغريزة والضد والمثل والقرين في الممكن دل على عدم جميع تلك في الواجب كان برهانا ناقصا وغير صحيح إذ يلزم منه أن ثبوت العلم في الممكن دال على الجهل في الواجب، والحياة فيه على عدم الحياة فيه، والسمع والبصر والقدرة وغير ذلك، فلا بد من الفرق كما قلنا. وما يقال من أن كلام الأئمة (عليهم السلام) لفهم جميع الناس البدوي والقروي والعالم والجاهل وأمثال هذه المطالب الدقيقة مما لا يمكن فهمه للعامة ولا يمكن أن يبتنى عليها أدلة العقائد في كلام الأئمة (عليهم السلام)، نقول في جوابه لا نسلم أن جميع ما ورد في الدين ورد لجميع الناس بل ورد بعضها لأهل العلم والفطنة لأن لهم حقا أداه الأئمة (عليهم السلام) إليهم ولا نوجب على الناس كافة فهم كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) في هذه المطالب بل نوجب اعترافهم بعلمه (عليه السلام) وإن لم ينالوه كما نعترف بفضل ساير العلماء والحكماء وإن لم نعرف جميع مطالبهم. (ش)
(١٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 ... » »»
الفهرست