شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ١٧٧
والشتاء، والجن والإنس، والعلم والجهل، والشجاعة والجبن، والجود والبخل، والإيمان والكفر، والسعادة والشقاوة، والحلاوة والمرارة، والصحة والسقم، والغنى والفقر، والضحك والبكاء، والفرح والغم، والحياة والموت، إلى غير ذلك مما لا يحصى، وفايدة هذا التفريق دلالتهم على التذكر بأن لهذه الأشياء موجدا وأن موجده واحد إذ التعدد والانقسام والأزواج من خواص الممكنات.
وأما ثانيا فلأن كل شيء سواه زوج تركيبي من الذات والوجود الزايد عليها مثلا وانحلاله إليهما وكل واحد منهما مزدوج بالآخر وزوج لصاحبه وهما زوجان، والتفريق بينهما مع كونهما متقاربين في قبول الإمكان والمجعولية بجعل هذا شيئا وذاك شيئا آخر، ثم التأليف بينهما بجعل الثاني عارضا للأول تحصيلا لتحققه في الخارج مذكر واضح ودليل قاطع على وجود الصانع المفرق والمؤلف بينهما لضرورة أن الذات القابلة للوجود الزائد عليها ليس التفريق بينهما ولا انضمام الوجود إليهما بمستندين إليها; لأن المعدوم لا يوجد نفسه فوجب استنادها إلى الغير، وهو ما ذكرنا.
(ففرق بين قبل وبعد ليعلم أن لا قبل ولا بعد له) هذا مثال للتفريق بين المتدانيات فإن الله سبحانه فرق بين أجزاء الزمان وبين الزمانيات مع التداني بينها في كونها زمانا وزمانية بأن جعل بعضها قبلا وبعضها بعدا حتى أن لكل قبل منها بعدا ولكل بعد منها قبلا ليعلم أن لا قبل له تعالى ولا بعد له وإلا لكان هو مشابها بخلقه فيكون ممكنا، والتالي باطل (شاهدة بغرائزها أن لا غريزة لمغرزها) شاهدة عطف على دالة بحذف العاطف فهي أيضا حال عما ذكر. والغريزة الطبيعة التي طبع عليها الأشياء (1)

1 - قوله: «والغريزة الطبيعة التي طبع عليها الأشياء» ولعل الغريزة أعم من الطبيعة المصطلحة فإن الأولى تشمل غرائز الحيوانات على ما مثل به الشارح كالشجاعة للأسد، والطبيعة في اصطلاح الحكماء في أكثر الأمر تختص بما يصدر عنه الفعل على نهج واحد من غير شعور وأما بيان شهادة الغرائز بنفيها عن المبدأ فقد قال صدر الحكماء المتألهين (قدس سره): كل أمر وجودي يتحقق في الموجودات الإمكانية فنوعه وجنسه مسلوب عنه تعالى ولكن يوجد له ما هو أعلى وأشرف منه، أما الأول فلتعاليه عن النقص وكل مجعول ناقص وإلا لم يكن مفتقرا إلى جاعل وكذا ما يساويه في المرتبة، وآحاد نوعه كأفراد جنسه. وأما الثاني فلأن معطي كل كمال ليس بفاقد له بل هو منبعه ومعدنه وما في المجعول رشحه وظله فهو سبحانه ذات الذوات ووجود الوجودات وحقيقة الحقائق وعلم العلوم إلى آخر ما قال. وقد نقله عنه المجلسي (رحمه الله) بعنوان بعض الأفاضل ونقل جملة من عباراته السابقة عليه واللاحقة، وربما يورد هنا شك وهو أنه ما الفرق بين هذه الأمور وبين الصفات التي تثبت له تعالى وكيف يصح وأن يقال «بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له وبتجهيره بالجواهر عرف أن لا جوهر له وبتغريزه الغرايز علم أن لا غريزة له» إلى غير ذلك ولا يصح أن يقال: بتعليمه العلماء عرف أن لا علم له وبتقديره القادرين عرف أن لا قدرة له؟ ويظهر جوابه من كلام صدر المتألهين (قدس سره): وبوجه تركيب هذه الحجة نظير تركيب قياس المساواة فيقال ألف مساو ل‍ «ب» و «ب» مساو ل‍ «ج» فألف مساو ل‍ «ج» ولا يقال ألف نصف «ب» و «ب» نصف «ج» فألف نصف «ج»; لأن الحجة تكمل بمقدمة مطوية كلما صحت أنتج القياس وكلما لم تصح لم تنتج وهي مساوي المساوي مساو وهي صحيحة ونصف النصف نصف ليست بصحيحة وهكذا هنا بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له وهو كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) صحيح. وبتعليمه العلماء عرف أن لا علم له غير صحيح; لأن هنا مقدمة مطوية صحيحة في الأول وغير صحيحة في الثاني، وهي وأن المشعر ليس إلا مخلوقا لنقصه وعدم تصور مشعر يكون واجب الوجود وهذا صحيح ولا يصح أن العلم ليس إلا مخلوقا، ولا يتصور علم يكون عين ذات الواجب، وسيأتي إن شاء الله لذلك تتمة في شرح حديث حارث الأعور. (ش)
(١٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 ... » »»
الفهرست