شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ١٧٤
والمقصود أنه تعالى ألف بقدرته الكاملة بين العناصر الأربعة (1) فإن كيفياتها المتضادة يجتمع بقدرته وتنكسر سورة كل واحد منها بالآخر، فتحصل كيفية متوسطة هي المزاج، وبين الأرواح اللطيفة التي لا تحتاج في ذاتها إلى مادة أصلا، وبين الأبدان الكثيفة بإيجاد الربط والملائمة بينهما وبين القلوب المتعادية كما قال: (وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم) إلى غير ذلك مما لا يخفى على المعتبر.
(مفرق بين متدانياتها) «مفرق» أيضا بالرفع، وفي بعض النسخ بالنصب، يعني هو المفرق بين المتدانيات والمتناسبات كما فرق بين كل واحد من العناصر وبين جزئه المأخوذ لغرض التركيب مع التناسب بين الجزء والكل في الطبيعة والكيفية وبين الأرواح والأبدان وبين أجزاء الأبدان بعد تدانيها وتقاربها بالموت والإفناء وبين قلوب متدانية لأمر مشترك بينهما كما قال (تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى) وبين أشياء متدانية بالأجناس والأنواع والأشخاص والحدود والأقدار والغرايز والصفات والخواص والآثار إلى غير ذلك مما يظهر على المتأمل.
(دالة بتفريقها على مفرقها وبتأليفها على مؤلفها) دالة حال من المتدانيات المتفرقة والمتعاديات المتألفة يعني دلت تلك المتدانيات والمتعاديات بسبب التفريق والتأليف الواقعين فيها على وجود

1 - قوله: «بين العناصر الأربعة» العنصر: هو الجسم البسيط الطبيعة التي لم يبين قابلية انحلالها إلى طبيعتين مختلفتين وكان يزعم القدماء من اليونانيين وغيرهم أن العنصر واحد إما ماء وإما هواء أو غيرهما، ثم اتفق رأيهم على تربيع العناصر وتبين عند المتأخرين أن العناصر الأربعة المعروفة كلها مركبة من عناصر أخرى وكان جماعة منهم يعتقدون أن عدد العناصر خمسون ثم انكشف لديهم كونها أكثر حتى انتهى عددها في زماننا إلى قريب من مائة عنصر، ولا دليل على الحصر مطلقا ويظهر في كل زمان عنصر لم يكن معلوما للسابقين ولا طعن عليهم في ذلك; لأن العلم يزيد والإنسان ناقص وكلما كان عدد العناصر فلا ريب أن كل واحد منها يفعل وينفعل ويؤثر ويتأثر فما هو شديد التأثر يوصف بالحرارة وإن كان باردا في الحس في عرف الأطباء كالخردل والفلفل وفي مقابله بارد وبالقوة، وما ينفعل سريعا يوصف بالرطوبة وإن لم يكن مبلولا كالهواء ومقابله باليبوسة، وهذه الكيفيات الأربع الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة شاملة لجميع العناصر وإن كانت مائة، والمزاج حاصل من انفعال العناصر بعضها من بعض وكسر سورة خاصة كل بضدها والمزاج شيء روعي بالعناية الإلهية والحكمة المتقنة في توليد المواليد بحيث تحير فيه أفكار أولي الألباب كلما تعمقوا فيه انكشف لهم حكمة لم يكن منكشفة قبله ومصلحة لم يطلعوا عليها، فلو تفكرت في مزاج الدم مثلا في الإنسان أو مزاج اللحم في كل واحد من أعضائه والمصلحة في كل واحد من عناصر كل عضو ووجه الاحتياج إليها لتبين لك معنى قول أمير المؤمنين (عليه السلام) «مؤلف بين متعادياتها» ولا حاجة بنا ولا عناية للحكماء أيضا بعدد العناصر وأنها خمسون أو أكثر أو أقل، بل الغرض إثبات البساطة والتركيب والمزاج وحصول المواليد وإنما يهتم بالعدد أصحاب الصناعات والمتحرفون في حرفهم وصناعاتهم والأطباء في معالجاتهم لا الفلاسفة والمتكلمون في إثبات العناية الإلهية والحكمة الربانية وكلما ذكروه في العناصر الأربعة ثابت وإن تكثرت حتى صارت مائة. (ش)
(١٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 169 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 ... » »»
الفهرست