شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ١٦٦
الجواهر عرف أن لا جوهر له وبمضادته بين الأشياء عرف أن لا ضد له، وبمقارنته بين الأشياء عرف أن لا قرين له، ضاد النور بالظلمة واليبس بالبلل والخشن باللين والصرد بالحرور، مؤلف بين متعادياتها ومفرق بين متدانياتها، دالة بتفريقها على مفرقها وبتأليفها على مؤلفها وذلك قوله تعالى: (ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون) ففرق بين قبل وبعد ليعلم أن لا قبل له ولا بعد، شاهدة بغرائزها أن لا غريزة لمغرزها، مخبرة بتوقيتها أن لا وقت لموقتها، حجب بعضها عن بعض ليعلم أن لا حجاب بينه وبين خلقه، كان ربا إذ لا مربوب، وإلها إذ لا مألوه، وعالما إذ لا معلوم، وسميعا إذ لا مسموع.
* الشرح:
(محمد بن أبي عبد الله رفعه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: بينا) قال الجوهري: «بينا» فعلى أشبعت الفتحة فصارت ألفا و «بينما» زيدت عليه «ما» والمعنى واحد تقول: بينا نحن نرقبه أتانا، أي أتانا بين أوقات رقبتنا إياه، والجملة مما يضاف إليها أسماء الزمان كقولك: أتيتك زمن الحجاج أمير، ثم حذفت المضاف الذي هو أوقات وولي الظرف الذي هو «بين» الجملة التي أقيمت مقام المضاف كقوله تعالى (واسأل القرية) وكان الأصمعي يخفض ما بعد «بينا» إذا صلح في موضعه «بين» وغيره يرفع ما بعده بينا وبينما على الابتداء والخبر.
(أمير المؤمنين (عليه السلام) يخطب على منبر الكوفة إذ قام إليه رجل يقال له ذعلب) ذعلب اليماني ضبطه الشهيد في قواعده بكسر الذال المعجمة وسكون العين المهملة وكسر اللام (ذو لسان بليغ في الخطب شجاع القلب) كان المراد أنه كان ذكيا فهيما متفكرا في الأمور ويحتمل أيضا حمله على الظاهر (فقال يا أمير المؤمنين: هل رأيت ربك؟ فقال: ويلك يا ذعلب ما كنت أعبد ربا لم أره) أثبت رؤيته إزراء للسائل، والظاهر أن السؤال عن الرؤية العينية والجواب بالرؤية القلبية من باب حمل السؤال على غير ما يترقبه السائل للتنبيه على أن الواجب هو السؤال عنها وأما الرؤية العينية فلكونها محالا لا ينبغي للسائل أن يسأل عنها إلا أن المثبت لما كان هو الرؤية المطلقة وتوهم السائل أن المراد منها الرؤية العينية سأل عن كيفية وقوع هذه الرؤية (فقال: يا أمير المؤمنين كيف رأيته) لا عن كيفية التي تعلقت بها الرؤية; لأن العاقل لا يعتقد أن له كيفية وإن كان السؤال عن كيفية الرؤية مستلزما لتجويز الكيفية له، والفرق بين اللازم من الشيء وبين اعتقاد ذلك اللازم صريحا ظاهر (قال: ويلك يا ذعلب لم تره العيون بمشاهدة الأبصار) إذ ليس بذي وضع وجهة، والرؤية البصرية إنما تتعلق به، والإبصار بكسر الهمزة أو فتحها، والإضافة على الأول بيانية وعلى الثاني لامية.
(ولكن رأته القلوب بحقايق الإيمان) المراد بالقلب: العقول القدسية، وبالإيمان: الإذعان
(١٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 ... » »»
الفهرست