شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ١٧٢
(والابتداء أزله) أي سبق أزله الابتداء; وذلك لأن الأزل عبارة عن عدم الأولية والابتداء، وذلك أمر يلحق واجب الوجود لما هو بحسب الاعتبار العقلي وهو ينافي لحوق الابتداء والأولية لوجوده، فاستحال أن يكون له ابتداء لا متناع اجتماع النقيضين، بل سبق في الأزلية ابتداء ما كان له ابتداء وجود من الممكنات وهو مبدؤها ومصدرها.
(بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له) (1) وذلك لأنه تعالى لما خلق المشاعر وأوجدها ذوات شعور وإدراك وهو المراد بتشعره لها امتنع أن يكون له مشاعر وإلا لكان وجودها إما من غيره وهو محال أما أولا فلأنه مشعر المشاعر، وأما ثانيا فلأنه يلزم أن يكون في كماله وإدراكه محتاجا إلى غيره وهو محال، وإما منه وهذا أيضا محال لأ نها إن كانت من كمالاته كان موجدا لها من حيث إنه فاقد كمال فكان ناقصا بذاته وهو محال، وإن لم يكن من كمالاته كان إثباتها له نقصا; لأن الزيادة على كمال نقص فكان إيجادها له مستلزما لنقصانه وهو أيضا محال.
(وبتجهيره الجواهر عرف أن لا جوهر له) أي بإيجاده المهيات الجوهرية وجعلها جواهر في الأعيان عرف أنه ليس بجوهر ولا مهية جوهرية إذ هي مهية إذا وجدت (2) في الخارج لم تفتقر في وجودها العيني إلى موضوع، ولا خفاء في أن وجودها زائد عليها، وليس وجود الواجب زائد عليه، بل هي عين ذاته الحقة الأحدية من كل جهة، فلا يكون له مهية جوهرية.
(وبمضادته بين الأشياء عرف أن لا ضد له) يعني بجعله بعض الأشياء ضدا لبعض كالحرارة والبرودة (3) والرطوبة واليبوسة والسواد والبياض والنور والظلمة إلى غير ذلك مما لا يحصى، عرف

1 - قوله: «بتشعيره المشاعر أن لا مشعر له» سيجيء إن شاء الله كلام في ذلك في بعض الخطب الآتية. (ش) 2 - قوله: «إذ هي مهية إذا وجدت» حمل الشارح (رحمه الله) الجوهر في كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) على مصطلح الفلاسفة، ولا ريب أن اصطلاحهم متأخر عن زمانه (عليه السلام) ولا يجوز حمل ألفاظ الكتاب والسنة على اصطلاح أرباب الفنون الذي لم يكن معروفا في عهدهم، وليس هذا خاصا باصطلاح الفلاسفة بل يعم اصطلاحات الفقه والحديث وغيرهما أيضا، والأقرب أن يحمل الجوهر على الذوات المحدودة والمهيات المتميزة ويكون المراد كونه تعالى عين حقيقة الوجود المطلق كما ذكره الشارح أخيرا لأن إطلاق الجوهر في كلام العرب على المهيات والحقائق المعينة غير عزيز، ثم أن الجمل كما يتعلق بالوجود أصلا وبالذات يتعلق بالمهية ثانيا وبالعرض تبعا لجعل الوجود فيصح نسبة تجهير الجواهر إليه تعالى، وأما ما نقل من بعض الحكماء ما جعل الله المشمشة مشمشة بل أوجدها فليس مراده نفى الحمل مطلقا بل نفي الجعل أولا وبالذات. (ش) 3 - قوله: «كالحرارة والبرودة» ربما يتوهم أن التضاد بين الحرارة والبرودة ذاتي غير مجعول كساير المتضادات فكيف نسب جعله إليه تعالى؟ والجواب أنه تعالى خلق الحرارة والبرودة وأمثالهما فتعلق خلقه بلوازمها كما ينسب الاحراق إلى من يشعل النار، ومن قال أن اللوازم غير مجعولة أراد بذلك جعلا مستقلا بعد جعل الملزومات لا نفي الجعل مطلقا ولا تفويض جعل شيء إلى غيره، وسيجئ الكلام في دلالة ذلك على نفي الضد له تعالى إن شاء الله، والكلام في حمل الشارح الضد على الاصطلاح الفلسفي ما مر. (ش)
(١٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 ... » »»
الفهرست