شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ١٦٨
(وبعد كل شيء) لأنه الباقي بعد فناء الأشياء وهو وارث كل شيء، وأيضا: إذا نظرت إلى ترتيب السلوك ولاحظت مراتب السالكين في منازل عرفانه وجدته بعد كل شيء وآخره إذ هو آخر ما يرتقى إليه درجات العارفين ومعرفته هي الدرجة القصوى والمنزل الآخر.
(لا يقال له بعد) لامتناع فنائه وبقاء شيء بعده ولأنه ليس فوقه شيء حتى يرتقى إليه سير العارفين ويكون هو آخر مقاماتهم، وبالجملة هو القبل المطلق الذي لا شيء قبله والبعد المطلق الذي لا شيء بعده.
(شاء الأشياء لا بهمة) شاء: فعل ماض أو اسم فاعل مع التنوين، ونصب الأشياء على المفعولية يعني أراد وجود الأشياء ولواحق وجودها بمجرد ذاته لا بعزم وإرادة زائدة على ذاته ولا بهمة فكرية إذ هي من لواحق النفوس البشرية وفيه تنزيه لإرادته عن مثلية إرادتنا في سبق العزم والهمة لها (دارك لا بخديعة) الخديعة بالخاء المعجمة اسم من خدع الضب في جحره إذا دخل أو من خدعت العين إذا غارت يعني يدرك الأشياء كلها لا بصور داخلة فيه فليس إدراكه بالانطباع، أو من خدعه إذا ختله يعنى يدركها من غير استعمال الحيلة وإجالة الرأي; لأن ذلك من خواص خلقه.
وقال الفاضل الشوشتري: لا يبعد أن يكون بالجيم قال في الصحاح: المجادعة والتجادع المخاصمة فيكون المقصود أنه يدرك من غير تعب كما أنه يشاء من غير همة ولا يخفى بعده (في الأشياء كلها غير متمازج بها) (1) إذ كونه في الأشياء ليس عبارة عن كونه جزءا منها أو وصفا لها أو داخلا فيها ومعدودا من جملتها حتى يكون متمازجا بها بل عبارة عن إحاطة علمه بها ونفوذه في جميعها، فهذا السلب قرينة صارفة للظرفية عن حقيقتها إلى مجازها (ولا باين منها) أي ليس بعيدا من الأشياء بالمسافة لتنزهه عن المكان، أو ليس بعيدا منها بالعلم والإحاطة فيكون تأكيدا لما قبله.
وفيه كسر للأحكام الوهمية بتقديس ذاته عن صفات الممكنات (ظاهر لا بتأويل المباشرة) أي لا بمعناها كظهور الجسم والجسمانيات بمباشرة الحواس لها وتناولها إياها بل بمعنى ظهور وجوده وقدرته بمشاهدة عجائب خلقه وغرايب تدبيره وهذا السلب أيضا قرينة لصرف الظاهر عن ظاهره

1 - قوله: «في الأشياء كلها» هو المعنى الصحيح لوحدة الوجود وقد تكلم الناس فيها كثيرا فمنهم من جعلها أصل التوحيد حتى قالوا إن من لم يكن معتقدا بها لم يكن موحدا حقا، ومنهم من أنكرها مطلقا لأنها توهم الحلول وأزال أمير المؤمنين (عليه السلام) هذا الوهم بقوله: «غير متمازج بها» وبين أن كونه تعالى في الأشياء لا يستلزم الحلول.
ومنهم من أولها بتأويل بعيد، وبعضهم فرق بين وحدة الوجود ووحدة الموجود ولا محصل له. وتكرر هذا المعنى في كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) بعبارات مختلفة، وسره أن ذاته تعالى عين حقيقة الوجود، والممكنات وجودات تعلقية ربطية لا حقيقة لها بذاتها مع قطع النظر عن علتها، والبحث في ذلك يطول ليس هنا محل تحقيقه. (ش)
(١٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 163 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 ... » »»
الفهرست