شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ١٦٩
وكذا السلوب الآتية.
(متجل لا باستهلال رؤية) التجلي: الوضوح والانكشاف، والاستهلال: التبيين يقال: استهل الصبي إذا تبين. والاستهلال أيضا: الإبصار. قال في المغرب: أهل الهلال واستهل - مبنيا للمفعول فيهما - إذا أبصر، يعني: أنه تعالى متبين منكشف لخلقه لا بالتبين والانكشاف الحاصلين من جهة رؤيته، ولا بالإبصار الذي هو الرؤية لتنزهه عن ذلك بل لظهوره في قلوب عباده من ملاحظة مصنوعاته حتى أشبهت كل ذرة من مخلوقاته مرآة ظهر وتجلى لهم فيها وهم يشاهدونه على استعداد قلوبهم لمشاهدته وتتفاوت تلك المشاهدة بحسب تفاوت أشعة إبصار بصائرهم.
(ناء لا بمسافة أي بعيد من الأشياء لا بمسافة بينها وبينه; لأن ذلك من خواص المكانيات بل بذاته المقدسة المغائرة لذوات الممكنات المتصفة بعلو الشرف والرتبة; لأن رتبته فوق مراتب جميع الموجودات بالشرف والعلية فلا جرم رتبته بعيدة عن رتبتها.
(قريب لا بمداناة) أي قريب من كل شيء لا بالدنو في المسافة بل بالعلم والإحاطة ونفاذ قدرته وحكمه فيه; لأن كل شيء حاضر عند بذاته بحيث لا يعزب عنه مثقال ذرة.
(لطيف لا بتجسم) أي لطيف لا باعتبار كونه جسما له قوام رقيق أو حجم صغير أو تركيب غريب وصنع عجيب، أو لا لون له; لأن كل ذلك من شأن اللطيف المخلوق، والله سبحانه خالق ليس بمخلوق بل باعتبار كونه خالقا للخلق اللطيف، أو باعتبار كونه عالما بالأشياء اللطيفة مثل البقة وقواها والذرة وهواها والنملة وصداها.
(موجود لا بعد عدم) (1) إذ لو كان وجوده بعد عدم كان حادثا ولو كان حادثا كان ممكنا ولو كان ممكنا لم يكن واجب الوجود لذاته هذا خلف (فاعل لا باضطرار) (2) أي لا باضطراره إلى فعله لأنه

1 - قوله: «موجود لا بعد عدم» إطلاق الموجود على الواجب تعالى حجة صحة توصيفه به وإن لم يكن بعنوان إجراء الاسم، وقد ورد هذا الإطلاق في بعض خطب نهج البلاغة أيضا. (ش) 2 - قوله: «بالاضطرار» وفي نهج البلاغة " فاعل لا بالاضطراب آلة " وقال ابن ميثم في شرحه: أما أنه فاعل فلأنه موجد العالم، أما أنه منزه في فاعليته عن اضطراب آلة فلتنزهه عن الآلة التي هي من عوارض الأجسام، وقال في شرح خطبة أخرى في الاستدلال على عدم الآلة: إنه لو كان كذلك لكانت تلك الآلة إن كانت من فعله فإما بتوسط آلة أخرى أو بدونها، فإن كانت بدونها فقد صدق أنه فاعل لا بمعنى الآلة، وإن كان فعله لها بتوسط آلة أخرى فالكلام فيها كالكلام في الأولى، ويلزم التسلسل، وإما إن لم تكن تلك الآلة من فعله ولم يمكنه الفعل بدونها كان الباري تعالى مفتقرا في تحقيق فعله إلى الغير. وبالجملة فالاضطراب أقرب من اضطرار، وإن كان لا بد من تصحيح هذه الكلمة فالأولى تفسيرها بأنه تعالى لم يكن في فعله محتاجا إلى المخلوق كما أن الإنسان إنما يفعل لاحتياجه واضطراره، وكل ممكن يفعل شيئا ليكمل ويصير بحالة أرجح من حاله قبل الفعل فهو فاعل محتاج بخلاف الواجب تعالى، لأن فعله منزه عن غرض التكميل وبعبارة أخرى يفعل لأنه كامل، لا لأن يكمل وكماله سبب فعله لا فعله سبب كماله. (ش)
(١٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 ... » »»
الفهرست