شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ١٦٤
(ومن أسخط الخالق) بفعل ما يوجب غضبه وعقابه (فقمن) في المغرب: هو قمن بكذا وقمين به أي خليق، والجمع قمنون وقمناء، وأما قمن بالفتح فيستوى فيه المذكر والمؤنث والاثنان والجمع، وفي كتاب إكمال الاكمال قمن بكسر الميم صفة يثنى ويجمع ومعناه: خليق وجدير، وبفتحها مصدر لا يثنى ولا يجمع، وعلى هذا قول الجوهري: قمن أن يفعل كذا بالتحريك أي خليق وجدير، لا يخلو من شيء.
(أن يسلط الله عليه سخط المخلوق) ترتب استحقاق ذلك على إسخاط الخالق أمر ضروري وقد يكشف الله تعالى عن سره ظاهرا حتى يبغضه إليهم ويعرفهم أنه ممقوت عنده ليمقتوه أو يضربوه أو يقتلوه وقد يكشف عنه باطنا فيشاهدون حاله بمرآة قلوبهم فيمقتونه، ومن هذا القبيل ما روي أن رجلا من بني إسرائيل قال: لأعبدن الله عبادة أذكر بها، فمكث مدة مبالغا في الطاعات وجعل لا يمر بملأ من الناس إلا قالوا متصنع مرائي، فأقبل على نفسه وقال: قد أتعبت نفسك وضيعت عمرك في لا شيء فينبغي أن تعمل لله سبحانه، فغير نيته وأخلص عمله لله فجعل لا يمر بملأ من الناس إلا قالوا ورع تقي.
ثم أشار إلى بعض ما يسخط الخالق وهو وصفه بما لم يصف به نفسه بقوله: (وأن الخالق لا يوصف إلا بما وصف به نفسه) من الأسماء الحسنى والصفات العليا، ثم أشار إلى أن القوى المدركة الإنسانية عاجزة عن إدراك ما له سبحانه من الصفات كما هو حقه توضيحا لما ذكر بقوله: (وأنى يوصف الذي تعجز الحواس أن تدركه) لتعلق إدراكها بالأجسام وكيفياتها وتنزهه تعالى عن الجسمية ولواحقها (والأوهام أن تناله) لتعلق إدراك الوهم بالمعاني المتعلقة بالمادة ولا يترفع عن الأمور المربوطة بالمحسوسات (والخطرات أن تحده) لأن عظمة كماله في ذاته، وصفاته أجل وأرفع من أن تنالها الأفكار الدقيقة وتحدها بحد ونهاية (والأبصار عن الإحاطة به) لأن الإحاطة بالشيء فرع لانقطاعه وانتهائه وجانب الحق منزه عنهما (جل عما وصفه الواصفون وتعالى عما ينعته الناعتون) لأن كل وصف اعتبروه وإن كان كمالا وكل نعت تخيلوه وإن كان جلالا فهو موصوف بالنقصان ومندرج تحت الإمكان، ومن البين أن رتبة الواجب بالذات أعظم من أن تتصف بالنقصان وأرفع من أن يعرض له الإمكان.
(نأى في قربه، وقرب في نأيه، فهو في نأيه قريب وفي قربه بعيد) نأيته ونأيت عنه أي بعدت، يعني بعد من الأشياء في حال قربه منها وقرب منها في حال بعده عنها، فهو في حال بعده قريب وفي حال قربه بعيد، وسر ذلك أن قربه وبعده ليسا بالالتصاق والافتراق; لأن ذلك من خواص الجسمانيات وهو منزه عنها بل قربه باعتبار علمه المحيط بكل شيء، وبعده باعتبار عدم كونه من
(١٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 ... » »»
الفهرست