شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ١٤٠
وبعضهم توهموا أنه لا علم له بالجزئيات، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.
(لكل شيء منها) أي من السماوات والأرضين وما فيهما وما بينهما (حافظ ورقيب الحافظ والرقيب المنتظر، فالعطف على الأول للتفسير، وعلى الثاني للجمع، والتقسيم أي: لكل شيء منها حافظ يحفظه على مقداره وشكله وصورته وغير ذلك مما يناسبه من حاله ويليق به من كماله، ورقيب ينتظر آثاره المطلوبة منه. ولعل فيه إشارة إلى الملائكة المدبرات للعلويات والسفليات، فمنهم الموكلون على السماوات يدبرون أمرها بأمر ربهم، ومنهم الموكلون على الأرضين، ومنهم الموكلون على الجبال، ومنهم الموكلون على السحاب، ومنهم الموكلون على الرياح، ومنهم الموكلون على المياه، ومنهم الموكلون على النبات، ومنهم أمناء لوحيه يحفظونه ويبلغونه إلى رسله، ومنهم المترددون بقضائه وأمره مرة بعد أخرى، ومنهم الحفظة لعباده وأعمالهم، ومنهم الخزنة لأبواب جنانه ونيرانه إلى غير ذلك مما لا يعلم عدده وأمره إلا هو (1).
(وكل شيء منها بشيء محيط) كما هو المعروف من نضد هذا العالم وتركيبه على وجه يحيط بعضه ببعض وهذا أغلبي لبطلان التسلسل ووجوب الانتهاء إلى محيط غير محاط بشيء، ويحتمل أن يراد بالمحيط الخواص والصفات وأن يراد به الحافظ والرقيب على أن يكون تأكيدا لما قبله (والمحيط بما أحاط منها الواحد الأحد الصمد) المحيط مبتدأ والواحد خبر يعني المحيط علما وحفظا بما أحاط من تلك الأشياء مع المحاط به هو الواحد الأحد الصمد وفي ذكر هذه الأوصاف إشعار بعلة هذا الحكم أعني كونه تعالى محيطا بالجميع لا غيره لأنه إذا كان هو موصوفا بالوحدة الحقيقية ونعت الصمدية لا غيره كان هو المحيط بالجميع دون غيره.
(الذي لا تغيره صروف الأزمان) أي حوادثها ونوايبها; لما عرفت مرارا أنه تعالى ليس بزماني يدخل تحت صروف الزمان حتى تغيره ولامتناع لحوق التغير به; لأن التغير من لواحق الأمور المادية (2) وهو سبحانه منزه عن المادة ولواحقها.

1 - قوله: «مما لا يعلم عدده وأمره إلا هو» إن قيل: الملائكة عند الشارح هم العقول القادسة على ما يصرح بذلك فيما يأتي قريبا، والعقول عند الحكماء عشرة لا غير، فكيف جعلهم كثيرة بما لا يحصى عددهم؟
قلنا: وافقهم الشارح في الأصل لا في العدد، ولا دليل على حصر العقول في العشرة، والمشاؤون أيضا لم ينفوا وجود أكثر منها بل قالوا: نعلم وجود العشرة لحركات الأفلاك والعناصر ولا نعلم دليلا على وجود أكثر، وأما الاشراقيون فقد أثبتوا عقولا غير متناهية، وأما الشارح فتمسك بما ورد في الأحاديث من كثرتهم ولا مانع من الالتزام به وإن كانوا هم العقول القادسة في اصطلاح الحكماء. (ش) 2 - قوله: «من لواحق الأمور المادية» كون التغير خاصا بالمادة ثابت واضح وبذلك أثبت المشاؤون وجود المادة للأجسام وقالوا: إن الجسم يتغير من حال إلى حال ولا بد أن يكون فيه شيء ثابت هو المادة وشىء يفنى ويتجدد غيره، وهو الصورة والحالات الطارية، وبيانه موكول إلى محله، ولو كان واجب الوجود أيضا متغيرا لزم إثبات شيئين فيه أحدهما ثابت مع تغير الحالات حتى يصدق عليه في الحالة الثانية أنه هو في الأول، وثانيهما متغير لا يبقى في الحالة الثانية حتى يصدق عليه أنه تغير، فثبت التركب فيه. (ش)
(١٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 135 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 ... » »»
الفهرست