شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٢ - الصفحة ٣٤٩
مصطلح جديد لم يكن معروفا عند الأئمة (عليهم السلام) بل المراد به البصيرة في أمر الدين.
وقال بعض المحققين: أكثر ما يأتي في الحديث بهذا المعنى، والفقيه هو صاحب هذه البصيرة وما قال ورام الحلي (رحمه الله) والغزالي من أن اسم الفقه في العصر الأول إنما كان يطلق على علم الآخرة ومعرفة دقائق آفات النفوس ومفسدات الأعمال وقوة الإحاطة بحقارة الدنيا وشدة التطلع إلى نعيم الآخرة واستيلاء الخوف على القلب إشارة إلى هذه البصيرة، ثم هذه البصيرة إنما تتم وتتكامل بعلوم ثلاثة:
الأول: العلم بأحوال الدنيا وانصرامها وعدم بقائها وثباتها.
الثاني: العلوم بأحوال الآخرة من عذابها وثوابها وحورها وقصورها وعجز بني آدم بين يدي الله تعالى إلى غير ذلك من أحوالها وأهوالها.
الثالث: العلم بالسنة النبوية لقصور عقل البشر عن إدراك نظام الدنيا والدين بنفسه من غير توسط رسول قوله قول الله تعالى المنزل إليه بالوحي، فهذان العلمان من توابع العلم بالله وملائكته وكتبه ورسله وثمرة العلم الأول وفائدته هي الزهد في الدنيا والإعراض عن نعيمها وعدم الاغترار بزخارفها والتنزه عن حلالها (1) فضلا، عن حرامها، وثمرة العلم الثاني هي الرغبة في الآخرة وصرف العقل إليه وقصر الأمل عليه، وثمرة العلم الثالث التمسك بالسنة النبوية والعمل بها للتخلي عن الرذائل والتحلي بالفضائل لأن كمال القوة العلمية إنما هو بارتكاب الأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة والاجتناب عن أضدادهما وهو إنما يحصل بالأخذ بالسنة والعمل بما فيها، ويظهر مما ذكرنا أن تعريف الفقيه بما ذكر تعريف بالغاية والثمرة المطلوبة منه للتنبيه على أن وجود الفقه

1 - أعلم أن كثيرا من القوى والآلات التي ركب الله تعالى في وجود الإنسان إنما هي مما يحتاج إليها في الحياة الدنيوية ولم يعط مثلها الملائكة المقربون والمدبرات أمرا ولذلك ليس التمتع بنعم الدنيا جميعها مما يخالف إرادة الله تعالى فبعضها حلال قطعا والمقدار الذي توقف عليه حفظ البنية التي خلق الله تعالى الإنسان عليها واجب والتنزه عنه مضادة لإرادة الله وحكمه، وأما التنزه المرغوب فيه فهو عن الزائد عن ذلك الذي يقصد منه التلذذ وهو مانع عن امور اخر خلق لها الإنسان أيضا من التوجه إلى الله والتمتع بالنعم العقلية ومعرفة ما لا يتوقف المعاش الدنيوي عليه، فإن وجود هذه الرغبات في الإنسان دليل على عدم قصر فائدة وجوده وغاية تكونه على عمارة الدنيا والاستمتاع بنعيمها وأهل الخلوة والمناجاة مع الله وتهذيب النفس والتفكر يتلذذون بعملهم أكثر مما يتلذذ به أهل اللهو فكما أن وجود شهوة الأكل وأمثالها لغرض وغاية فكذلك وجود الرغبة إلى الله تعالى وأوليائه لغرض وغاية والتهالك على التلذذ بالنعم الدنيوية التي لا تحتاج إليها في بقاء البنية يمنع من التوجه إلى الله تعالى والتلذذ بالنعيم العقلي (وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه). (ش)
(٣٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 344 345 346 347 348 349 350 351 352 353 354 ... » »»
الفهرست