تحف العقول - ابن شعبة الحراني - الصفحة ٢٧١
47 - وأما حق من سرك الله به وعلى يديه، فإن كان تعمدها لك حمدت الله أولا ثم شكرته عى ذلك بقدره في موضع الجزاء وكافأته على فضل الابتداء وأرصدت له المكافأة، وإن لم يكن تعمدها حمدت الله وشكرته وعلمت أنه منه، توحدك بها و أحببت هذا إذ كان سببا من أسباب نعم الله عليك وترجو له بعد ذلك خيرا، فإن أسباب النعم بركة حيث ما كانت وإن كان لم يتعمد ولا قوة إلا بالله (1).
48 - وأما حق من ساءك القضاء على يديه بقول أو فعل فإن كان تعمدها كان العفو أولى بك لما فيه له من القمع وحسن الأدب مع كثير أمثاله من الخلق. فإن الله يقول: " ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل - إلى قوله -: من عزم الأمور (2) " وقال عز وجل وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين (3) " هذا في العمد فإن لم يكن عمدا لم تظلمه بتعمد الانتصار منه فتكون قد كافأته في تعمد على خطأ.
ورفقت به ورددته بألطف ما تقدر عليه ولا قوة إلا بالله (4).
49 - وأما حق أهل ملتك عامة فإضمار السلامة ونشر جناح الرحمة والرفق بمسيئهم. وتألفهم واستصلاحهم وشكر محسنهم إلى نفسه وإليك فإن إحسانه إلى نفسه إحسانه إليك إذا كف عنك أذاه وكفاك مؤونته وحبس عنك نفسه فعمهم جميعا بدعوتك وانصرهم جميعا بنصرتك وأنزلتهم جميعا منك منازلهم، كبيرهم بمنزلة الوالد وصغيرهم بمنزلة الولد وأوسطهم بمنزلة الأخ. فمن أتاك تعاهدته بلطف ورحمة. وصل أخاك بما يجب للأخ على أخيه (5).
50 - وأما حق أهل الذمة فالحكم فيهم أن تقبل منهم ما قبل الله وتفي (6) بما

(1) فيهما [حق من سرك لله تعالى أن تحمد الله أولا ثم تشكره].
(2) سورة الشورى آية 41.
(3) سورة النحل آية 126.
(4) فيهما [وحق من أساءك أن تعفو عنه وإن علمت أن العفو يضر انتصرت قال الله تعالى: " ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل].
(5) فيهما [وحق أهل ملتك اضمار السلامة والرحمة لهم والرفق بمسيئهم وتألفهم واستصلاحهم وشكر محسنهم وكف الأذى عنهم وتحب لهم ما تحب لنفسك وتكره لهم ما تكره لنفسك وأن تكون شيوخهم بمنزلة أبيك وشبابهم بمنزلة اخوتك وعجائزهم بمنزلة أمك والصغار بمنزلة أولادك].
(6) في بعض النسخ [وكفى].
(٢٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 266 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 ... » »»
الفهرست