تحف العقول - ابن شعبة الحراني - الصفحة ١٢١
منها ومن شر ما ينزل من السماء وما يعرج فيها ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم وهو على كل شئ قدير ولا حول ولا قوة إلا بالله " فإن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يعوذ الحسن والحسين بها وبذلك أمرنا رسول الله صلى الله عليهم أجمعين. نحن الخزان لدين الله ونحن مصابيح العلم. إذا مضى منا علم بدا علم، لا يضل من اتبعنا ولا يهتدي من أنكرنا ولا ينجو من أعان علينا عدونا، ولا يعان من أسلمنا، ولا يخلو عنا بطمع في حطام الدنيا الزائلة عنه، فإنه من آثر الدنيا علينا (1) عظمت حسرته غدا وذلك قول الله: " أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين (2) ". اغسلوا صبيانكم من الغمر فإن الشيطان يشم الغمر (3) فيفزع الصبي في رقاده ويتأذى به الكاتبان (4). لكم من النساء أول نظرة فلا تتبعوها واحذروا الفتنة. مد من الخمر يلقى الله عز وجل حين يلقاه كعابد وثن فقال له حجر بن عدي (5): يا أمير المؤمنين من المدمن للخمر؟

(1) أي قدم نفسه علينا وغصب حقنا.
(2) سورة الزمر آية 56. وقوله: فرطت أي قصرت.
(3) الغمر - بالتحريك -: الدسم والزهومة من اللحم والوضر من السمن وفى الحديث لا يبيتن أحدكم ويده غمرة (4) أي الملكان الموكلان على الانسان ويكتبان أعماله وأفعاله من الخير والشر.
(5) بتقديم الحاء المهملة على الجيم المعجمة الساكنة من قبيلة كندة وكان رحمه الله من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام بل من خواصه وكان مقيما بالكوفة إلى زمن زياد بن أبيه فأخذه زياد وحبسه وأصحابه ثم بعث بهم إلى معاوية بن أي سفيان حتى انتهوا إلى مرج عذراء (قرية بغوطة دمشق على أميال منها) وحبسوا به وكانوا أربعة عشر رجلا فجاء رسل معاوية إليهم فقال لهم: إنا قد أمرنا أن نعرض عليكم البراءة من على واللعن له فان فعلتم هذا تركناكم وإن أبيتم قتلناكم وأمير المؤمنين يزعم أن دماءكم قد حلت بشهادة أهل مصركم عليكم غير أنه عفى عن ذلك فابرؤوا من هذا الرجل يخل سبيلكم، قالوا: لسنا فاعلين، فأمروا بقيودهم فحلت واتى بأكفانهم فقاموا الليل كله يصلون فلما أصبحوا قال أصحاب معاوية: يا هؤلاء قد رأيناكم البارحة أطلتم الصلاة وأحسنتم الدعاء فأخبرونا ما قولكم في عثمان؟ قالوا: هو أول من جار في الحكم وعمل بغير الحق، فقالوا: أمير المؤمنين أعرف بكم، ثم قاموا إليهم وقالوا: تبرؤون من هذا الرجل قالوا: بل نتولاه فأخذ كل رجل منهم رجلا يقتله فقال: لهم حجر: دعوني أصلى ركعتين فانى والله ما توضأت قط إلا صليت فقالوا له: صل فصلى ثم انصرف فقال: والله ما صليت صلاة قط أقصر منها ولولا أن يروا أن ما بي جزع من الموت لأحببت ان استكثر منها فمشى إليه هدبة بن الفياض الأعور بالسيف فأرعدت فرائصه فقال:
كلا زعمت أنك لا تجزع من الموت فانا ندعك فابرء من صاحبك فقال: مالي لا أجزع وأنا أرى قبرا محفورا وكفنا منشورا وسيفا مشهورا وإني والله إن جزعت لا أقول ما يسخط الرب، ثم قتله رضوان الله عليه وقد عظم قتله على قلوب المسلمين وعابوا معاوية على ذلك.
(١٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 ... » »»
الفهرست