على صاحبه بشئ إلا واساه فيه وصبر عليه، وما أظن الذي دعوتني إليه إلا خيرا مما نحن فيه، فقم إذا بدا لك، ففعل الوزير ذلك فتخلى عن نفس الملك ما كان فيها عليه.
ثم أمر الملك بنفي النساك من جميع بلاده وتوعدهم بالقتل، فجدوا في الهرب والاستخفاء، ثم إن الملك خرج ذات يوم متصيدا فوقع بصره على شخصين من بعيد فأرسل إليهما فأتي بهما فإذا هما ناسكان فقال لهما: ما بالكما لن تخرجا من بلادي قالا: قد أتتنا رسلك ونحن على سبيل الخروج، قال: ولم خرجتما راجلين، قالا: لأنا قوم ضعفاء ليس لنا دواب ولا زاد ولا نستطيع الخروج إلا التقصير، قال الملك إن من خاف الموت أسرع بغير دابة ولا زاد، فقالا له: إنا لا نخاف الموت بل لا ننظر قرة عين في شئ من الأشياء إلا فيه.
قال الملك: وكيف لا تخافان الموت وقد زعمتما أن رسلنا لما أتتكم وأنتم على سبيل الخروج أفليس هذا هو الهرب من الموت؟ قالا: إن الهرب من الموت ليس من الفرق (1) فلا تظن أنا فرقناك ولكنا هربنا من أن نعينك على أنفسنا، فأسف الملك و أمر بهما أن يحرقا بالنار، وأذن في أهل مملكته بأخذ النساك وتحريقهم بالنار فتجرد رؤساء عبدة الأوثان في طلبهم وأخذوا منهم بشرا كثيرا وأحرقوهم بالنار، فمن ثم صار التحريق سنة باقية في أرض الهند، وبقي في جميع تلك الأرض قوم قليل من النساك كرهوا الخروج من البلاد، واختاروا الغيبة والاستخفاء ليكونوا دعاء وهداة لمن وصلوا إلى كلامهم فنبت ابن الملك أحسن نبات في جسمه وعقله وعلمه ورأيه، ولكنه لم يؤخذ بشئ من الآداب إلا بما يحتاج إليه الملوك مما ليس فيه ذكر موت ولا زوال و لا فناء وأوتي الغلام من العلم والحفظ شيئا كان عند الناس من العجائب، وكان أبوه لا يدري أيفرح بما أوتي ابنه من ذلك أو يحزن له لما يتحوف عليه أن يدعوه ذلك إلى ما قيل فيه.