كمال الدين وتمام النعمة - للشيخ الجليل الأقدم الصدوق - ج ١ - الصفحة ٢٢٠
فيها رسول الله صلى الله عليه وآله ارتجس إيوان كسرى، وسقطت منه أربع عشرة شرافة، وغاضت بحيرة ساوة، وخمدت نار فارس، ولم تخمد قبل ذلك ألف سنة (1)، ورأي الموبذان (2) إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت الدجلة وانتشرت في بلادها، فلما أصبح كسرى هاله ما رأى فتصبر عليها تشجعا، ثم رأى أن لا يسر ذلك عن وزرائه، فلبس تاجه وقعد على سريره وجمعهم وأخبرهم بما رأى، فبينما هم كذلك، إذ ورد عليه الكتاب بخمود نار فارس، فازداد غما إلى غمه وقال الموبذان: وأنا أصلح الله الملك قد رأيت في هذه الليلة، ثم قص عليه رؤياه في الإبل والخيل، فقال: أي شئ يكون هذا يا موبذان؟ - وكان أعلمهم في أنفسهم - فقال: حادث يكون في ناحية العرب، فكتب عند ذلك: من كسرى ملك الملوك إلى نعمان بن المنذر: أما بعد فوجه إلي برجل عالم بما أريد أن أسأله عنه، فوجه إليه بعبد المسيح بن عمرو بن حيان بن نفيلة الغساني فلما قدم عليه قال: عندك علم ما أريد أن أسألك عنه؟ قال: ليسألني الملك أو ليخبرني فإن كان عندي منه علم وإلا أخبرته بمن يعلمه، فأخبره بما رأى، فقال: علم ذلك عند خال لي يسكن بمشارف الشام (3) يقال له: سطيح، قال: فأته فاسأله وأخبرني بما يرد عليك، فخرج عبد المسيح حتى ورد على سطيح وقد أشرف على الموت فسلم عليه وحياه، فلم يرد عليه سطيح جوابا فأنشأ عبد المسيح يقول:
أصم أم يسمع غطريف اليمن * أم فاز فاز لم به شأو العنن (4)

(1) في اللسان " مائة عام ".
(2) في القاموس الموبذان - بضم الميم وفتح الباء فقيه الفرس، وحاكم المجوس كالموبذ. والجمع الموابذة واللهاء فيها للعجمة.
(3) المشارف: القرى التي تقرب من المدن، وقيل: القرى التي بين بلاد الريف و.
جزيرة العرب.
(4) الغطريف - بالكسر -: السيد. وقوله " فاز " أي مات. وفى بعض النسخ " فاد " بالدال وهو بمعناه و " أزلم " أي ذهب مسرعا. وأصله " أزلام " فحذفت الهمزة تخفيفا والشأو: السبق والغاية. والعنن: الاعتراض، وشأ والعنن: اعتراض الموت وسبقه.
(٢٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 215 216 217 218 219 220 221 222 223 224 225 ... » »»
الفهرست