مما يدرك بالحواس، فلله تبارك وتعالى فيه البداء مما لا عين له، فإذا وقع العين المفهوم المدرك فلا بداء، والله يفعل ما يشاء، وبالعلم علم الأشياء قبل كونها، وبالمشية عرف صفاتها وحدودها وأنشأها قبل إظهارها (1) وبالإرادة ميز أنفسها في ألوانها و صفاتها وحدودها، وبالتقدير قدر أوقاتها (2) وعرف أولها وآخرها، وبالقضاء أبان للناس أماكنها ودلهم عليها، وبالإمضاء شرح عللها (3) وأبان أمرها، وذلك التقدير العزيز العليم.
قال محمد بن علي مؤلف هذا الكتاب أعانه الله على طاعته: ليس البداء كما يظنه جهال الناس بأنه بداء ندامة تعالى الله عن ذلك، ولكن يجب علينا أن نقر لله عز وجل بأن له البداء، معناه أن له أن يبدأ (4) بشئ من خلقه فيخلقه قبل شئ (5) ثم يعدم ذلك الشئ ويبدأ بخلق غيره، أو يأمر بأمر ثم ينهى عن مثله أو ينهى عن شئ ثم يأمر بمثل ما نهى عنه، وذلك مثل نسخ الشرايع وتحويل القبلة وعدة المتوفى عنها زوجها، ولا يأمر الله عباده بأمر في وقت ما إلا وهو يعلم أن الصلاح لهم في ذلك الوقت في أن يأمرهم بذلك، ويعلم أن في وقت آخر الصلاح لهم في أن ينهاهم عن مثل ما أمرهم به، فإذا كان ذلك الوقت أمرهم بما يصلحهم، فمن أقر لله عز وجل بأن له أن يفعل ما يشاء ويعدم ما يشاء ويخلق مكانه ما يشاء، ويقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء، ويأمر بما شاء كيف شاء فقد أقر بالبداء، وما عظم الله عز وجل بشئ أفضل من الاقرار بأن له الخلق والأمر، والتقديم، والتأخير، وإثبات ما لم يكن ومحو ما قد كان، والبداء هو رد على اليهود لأنهم قالوا: إن الله قد فرغ من الأمر فقلنا: