الأرض، عرضه ما بين المشرق والمغرب، أسود كالليل الدامس، كثير الحيات و الحيتان، يعلو مرة ويسفل أخرى، في قعره شمس تضيئ، لا ينبغي أن يطلع إليها إلا الله الواحد الفرد، فمن تطلع إليها فقد ضاد الله عز وجل في حكمه ونازعه في سلطانه، وكشف عن ستره وسره، وباء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير.
قال المصنف هذا الكتاب نقول: إن الله تبارك وتعالى قد قضى جميع أعمال العباد وقدرها وجميع ما يكون في العالم من خير وشر، والقضاء قد يكون بمعنى الأعلام كما قال الله عز وجل: ﴿وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب﴾ (١) يريد أعلمناهم، وكما قال الله عز وجل: ﴿وقضينا إليه ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين﴾ (٢) يريد أخبرناه وأعلمناه، فلا ينكر أن يكون الله عز وجل يقضي أعمال العباد و سائر ما يكون من خير وشر على هذا المعنى لأن الله عز وجل عالم بها أجمع. ويصح أن يعلمها عباده ويخبرهم عنها، وقد يكون القدر أيضا في معنى الكتاب والإخبار كما قال الله عز وجل: ﴿إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين)﴾ (٣) يعني كتبنا وأخبرنا، وقال العجاج: واعلم بأن ذا الجلال قد قدر * في الصحف الأولى التي كان سطر و (قدر) معناه كتب.
وقد يكون القضاء بمعنى الحكم والالزام، قال الله عز وجل ﴿وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا﴾ (4) يريد حكم بذلك وألزمه خلقه، فقد يجوز أن يقال: إن الله عز وجل قد قضى من أعمال العباد على هذا المعنى ما قد ألزمه عباده وحكم به عليهم وهي الفرائض دون غيرها، وقد يجوز أيضا أن يقدر الله أعمال العباد بأن يبين مقاديرها وأحوالها من حسن وقبح وفرض و نافلة وغير ذلك، ويفعل من الأدلة على ذلك ما يعرف به هذه الأحوال لهذه الأفعال فيكون عز وجل مقدرا لها في الحقيقة، وليس يقدرها ليعرف مقدارها،