قال محمد بن علي بن الحسين مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: إن موسى عليه السلام علم أن الله عز وجل لا يجوز عليه الرؤية، وإنما سأل الله عز وجل أن يريه ينظر إليه عن قومه حين ألحوا عليه في ذلك، فسأل موسى ربه ذلك من غير أن يستأذنه، فقال: رب أرني أنظر إليك، قال: لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه في حال تزلزله فسوف تراني، ومعناه أنك لا تراني أبدا لأن الجبل لا يكون ساكنا متحركا في حال أبدا، وهذا مثل قوله عز وجل: ﴿ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط﴾ (1) ومعناه أنهم لا يدخلون الجنة أبدا كما لا يلج الجمل في سم الخياط أبدا، فلما تجلى ربه للجبل أي ظهر للجبل بآية من آياته وتلك الآية نور من الأنوار التي خلقها ألقى منها على ذلك الجبل جعله دكا وخر موسى صعقا من هول تزلزل ذلك الجبل على عظمه وكبره (2) فلما أفاق قال: سبحانك إني تبت إليك أي رجعت إلى معرفتي بك عادلا عما حملني عليه قومي من سؤالك الرؤية، ولم تكن هذه التوبة من ذنب لأن الأنبياء لا يذنبون ذنبا صغيرا ولا كبيرا، ولم يكن الاستيذان قبل السؤال بواجب عليه، لكنه كان أدبا يستعمله ويأخذ به نفسه متى أراد أن يسأله، على أنه قد روي قوم أنه قد استأذن في ذلك فأذن له ليعلم قومه بذلك أن الرؤية لا تجوز على الله عز وجل وقوله: وأنا أول المؤمنين يقول: وأنا أول المؤمنين من القوم الذين كانوا معه وسألوه أن يسأل ربه أن يريه ينظر إليه بأنك لا ترى.
والأخبار التي رويت في هذا المعنى وأخرجها مشايخنا رضي الله عنهم في مصنفاتهم عندي صحيحة، وإنما تركت إيرادها في هذا الباب خشية أن يقرأها جاهل بمعانيها فيكذب بها فيكفر بالله عز وجل وهو لا يعلم.
والأخبار التي ذكرها أحمد بن محمد بن عيسى في نوادره والتي أوردها محمد بن