قلت: فرجت عني فرج الله عنك، غير أنك قلت: السميع البصير، سميع بالأذن وبصير بالعين؟ فقال: إنه يسمع بما يبصر، ويرى بما يسمع، بصير لا بعين مثل عين المخلوقين، وسميع لا بمثل سمع السامعين، لكن لما لم يخف عليه خافية من أثر الذرة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء تحت الثرى والبحار قلنا: بصير، لا بمثل عين المخلوقين، ولما لم يشتبه عليه ضروب اللغات ولم يشغله سمع عن سمع قلنا: سميع، لا مثل سمع السامعين.
قلت: جعلت فداك قد بقيت مسألة، قال: هات لله أبوك. قلت: يعلم القديم الشئ الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون؟ (١) قال: ويحك إن مسائلك لصعبة، أما سمعت الله يقول: ﴿لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا﴾ (٢) وقوله: ﴿ولعلا بعضهم على بعض﴾ (٣) وقال يحكي قول أهل النار: ﴿أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل﴾ (٤) وقال: ﴿ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه﴾ (5) فقد علم الشئ الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون.
فقمت لا قبل يده ورجله، فأدنى رأسه فقبلت وجهه ورأسه، وخرجت و بي من السرور والفرح ما أعجز عن وصفه لما تبينت من الخير والحظ.
قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه: إن الله تبارك وتعالى نهى آدم وزوجته عن أن يأكلا من الشجرة، وقد علم أنهما يأكلان منها، لكنه عز وجل شاء أن لا يحول بينهما وبين الأكل منها بالجبر والقدرة (6) كما منعهما من الأكل منها