قد صفا قلبك فخشع، وتم رأيك فاجتمع، وكان همك في ذلك هما واحدا فانظر فيما فسرت لك. وإن أنت لم يجتمع لك ما تحب من نفسك، وفراغ نظرك وفكرك فاعلم أنك إنما تخبط العشواء (1)، وتتورط الظلماء. وليس طالب الدين من خبط أو خلط، والامساك عن ذلك أمثل (2) فتفهم يا بني وصيتي، وأعلم أن مالك
الموت هو مالك الحياة، وأن الخالق هو المميت، وأن المفني هو المعيد، وأن المبتلي هو المعافي، وأن الدنيا لم تكن لتستقر إلا على ما جعلها الله عليه من النعماء (3)، والابتلاء، والجزاء في المعاد أو ما شاء مما لا نعلم، فإن أشكل عليك شئ من ذلك فاحمله على جهالتك به فإنك أول ما خلقت خلقت جاهلا ثم علمت. وما أكثر ما
تجهل من الأمر ويتحير فيه رأيك ويضل فيه بصرك، ثم تبصره بعد ذلك. فاعتصم بالذي خلقك
____________________
(1) العشواء الضعيفة البصر أي تخبط خبط الناقة العشواء لا تأمن أن تسقط فيما لا خلاص منه. وتورط الأمر: دخل فيه على صعوبة في التخلص منه (2) حبس النفس عن الخلط والخبط في الدين أحسن (3) لا تثبت الدنيا إلا على ما أودع الله في طبيعتها من التلون بالنعماء تارة والاختبار بالبلاء تارة وأعقابها للجزاء في المعاد يوم القيامة على الخير خيرا وعلى الشر شرا