علاج التجربة، فأتاك من ذلك ما قد كنا نأتيه، واستبان لك ما ربما أظلم علينا منه (1) أي بني إني وإن لم أكن عمرت عمر من كان قبلي فقد نظرت في أعمالهم، وفكرت في أخبارهم، وسرت في آثارهم حتى عدت كأحدهم. بل كأني بما انتهى إلي من أمورهم قد عمرت مع أولهم إلى آخرهم،
فعرفت صفو ذلك من كدره، ونفعه من ضرره، فاستخلصت لك من كل أمر نخيله (2) وتوخيت لك جميله، وصرفت عنك مجهوله، ورأيت حيث عناني من أمرك ما يعني الوالد الشفيق وأجمعت عليه من أدبك (3) أن يكون (4) ذلك وأنت مقبل العمر ومقتبل الدهر، ذو نية سليمة ونفس صافية، وأن أبتدئك بتعليم كتاب الله وتأويله، وشرائع الاسلام وأحكامه، وحلاله وحرامه، لا أجاوز ذلك بك إلى غيره (5). ثم أشفقت (6) أن يلتبس عليك ما اختلف الناس فيه من أهوائهم وآرائهم مثل الذي التبس عليهم (7)، فكان
____________________
(1) استبان: ظهر إذا انضم رأيه إلى آراء أهل التجارب فربما يظهر له ما لم يكن ظهر لهم فإن رأيه يأتي بأمر جديد لم يكونوا أتوا به (2) النخيل: المختار المصفى. وتوخيت أي تحريت (3) أجمعت: عزمت عطف على يعني الوالد (4) أن يكون مفعول رأيت (5) لا أتعدى بك كتاب الله إلى غيره بل أقف بك عنده (6) أشفقت أي خشيت وخفت (7) مثل صفة لمفعول مطلق محذوف أي التباسا مثل الذي كان لهم