فإن تصر ليلى بسلمى أو أجا، أو باللوى أو ذي حسا أو يأججا وأما سبب نزول طيئ الجبلين، واختصاصهم بسكناهما دون غيرهم من العرب، فقد اختلفت الرواة فيه. وقال ابن الكلبي، وجماعة سواه: لما تفرق بنو سبا أيام سيل العرم سار جابر وحرملة ابنا أدد بن زيد بن الهميسع قلت: لا أعرف جابرا وحرملة وفوق كل ذي علم عليم، وتبعهما ابن أخيهما طيئ، واسمه جلهمة، قلت: وهذا أيضا لا أعرفه، لان طيئا عند ابن الكلبي، هو جلهمة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان. والحكاية عنه، وكان أبو عبيدة، قال زيد بن الهميسع: فساروا نحو تهامة وكانوا فيما بينها وبين اليمن، ثم وقع بين طيئ وعمومته ملاحاة ففارقهم وسار نحو الحجاز بأهله وماله وتتبع مواقع القطر، فسمي طيئا لطيه المنازل، وقيل إنه سمي طيئا لغير ذلك، وأوغل طيئ بأرض الحجاز، وكان له بعير يشرد في كل سنة عن إبله، ويغيب ثلاثة أشهر، ثم يعود إليه وقد عبل وسمن وآثار الخضرة بادية في شدقيه، فقال لابنه عمرو: تفقد يا بني هذا البعير فإذا شرد فاتبع أثره حتى تنظر إلى أين ينتهي. فلما كانت أيام الربيع وشرد البعير تبعه على ناقة له فلم يزل يقفر أثره حتى صار إلى جبل طيئ، فأقام هنالك ونظر عمرو إلى بلاد واسعة كثيرة المياه والشجر والنخيل والريف، فرجع إلى أبيه وأخبره بذلك فسار طيئ بإبله وولده حتى نزل الجبلين فرأهما أرضا لها شأن، ورأى فيها شيخا عظيما، جسيما، مديد القامة، على خلق العاديين ومعه امرأة على خلقه يقال لها سلمى، وهي امرأته وقد اقتسما الجبلين بينهما بنصفين، فأجأ في أحد النصفين وسلمى في الآخر، فسألهما طيئ عن أمرهما، فقال الشيخ: نحن من بقايا صحار غنينا بهذين الجبلين عصرا بعد عصر، أفنانا كر الليل والنهار، فقال له طيئ:
هل لك في مشاركتي إياك في هذا المكان فأكون لك مؤنسا وخلا؟ فقال الشيخ: إن لي في ذلك رأيا فأقم فإن المكان واسع، والشجر يانع، والماء طاهر، والكلأ غامر. فأقام معه طيئ بإبله وولده بالجبلين، فلم يلبث الشيخ والعجوز إلا قليلا حتى هلكا وخلص المكان لطيئ فولده به إلى هذه الغاية.
قالوا: وسألت العجوز طيئا ممن هو، فقال طيئ:
إنا من القوم اليمانيينا إن كنت عن ذلك تسألينا وقد ضربنا في البلاد حينا ثمت أقبلنا مهاجرينا إذ سامنا الضيم بنو أبينا وقد وقعنا اليوم فيما شينا ريفا وماء واسعا معينا ويقال إن لغة طيئ هي لغة هذا الشيخ الصحاري والعجوز امرأته. وقال أبو المنذر هشام بن محمد في كتاب افتراق العرب: لما خرجت طيئ من أرضهم من الشحر ونزلوا بالجبلين، أجإ وسلمى، ولم يكن بهما أحد وإذا التمر قد غطى كرانيف النخل، فزعموا أن الجن كانت تلقح لهم النخل في ذلك الزمان، وكان في ذلك التمر خنافس، فأقبلوا يأكلون التمر والخنافس، فجعل بعضهم يقول: ويلكم الميت أطيب من الحي. وقال أبو محمد الأعرابي أكتبنا أبو الندى قال: بينما طيئ ذات يوم جالس مع ولده بالجبلين إذ أقبل رجل من بقايا جديس، ممتد القامة، عاري الجبلة، كاد يسد الأفق طولا، ويفرعهم باعا، وإذا هو الأسود بن غفار بن الصبور الجديسي،