وكان قد نجا من حسان تبع اليمامة ولحق بالجبلين، فقال لطيئ: من أدخلكم بلادي وإرثي عن آبائي؟
اخرجوا عنها وإلا فعلت وفعلت. فقال طيئ:
البلاد بلادنا وملكنا وفي أيدينا، وإنما ادعيتها حيث وجدتها خلاء. فقال الأسود: اضربوا بيننا وبينكم وقتا نقتتل فيه فأينا غلب استحق البلد. فاتعدا لوقت، فقال طيئ لجندب بن خارجة بن سعد بن فطرة بن طيئ وأمه جديلة بنت سبيع بن عمرو ابن حمير وبها يعرفون، وهم جديلة طيئ، وكان طيئ لها مؤثرا، فقال لجندب: قاتل عن مكر متك.
فقالت أمه: والله لتتركن بنيك وتعرضن ابني للقتل! فقال طيئ: ويحك إنما خصصته بذلك.
فأبت، فقال طيئ لعمرو بن الغوث بن طيئ:
فعليك يا عمرو الرجل فقاتله. فقال عمرو: لا أفعل، وأنشأ يقول وهو أول من قال الشعر في طيئ بعد طيئ:
يا طيئ أخبرني، ولست بكاذب، وأخوك صادقك الذي لا يكذب أمن القضية أن، إذا استغنيتم وأمنتم، فأنا البعيد الا جنب وإذا الشدائد بالشدائد مرة، أشجتكم، فأنا الحبيب الأقرب عجبا لتلك قضيتي، وإقامتي فيكم، على تلك القضية، أعجب ألكم معا طيب البلاد ورعيها، ولي الثماد ورعيهن المجدب وإذا تكون كريهة أدعى لها، وإذا يحاس الحيس يدعى جندب هذا لعمر كم الصغار بعينه، لا أم لي، إن كان ذاك، ولا أب فقال طيئ: يا بني إنها أكرم دار في العرب. فقال عمرو: لن أفعل إلا على شرط أن لا يكون لبني جديلة في الجبلين نصيب. فقال له طيئ: لك شرطك.
فأقبل الأسود بن غفار الجديسي للميعاد ومعه قوس من حديد ونشاب من حديد فقال: يا عمرو إن شئت صار عتك وإن شئت ناضلتك وإلا سايفتك.
فقال عمرو: الصراع أحب إلي فاكسر قوسك لأكسرها أيضا ونصطرع. وكانت لعمرو بن الغوث ابن طيئ قوس موصولة بزرافين إذا شاء شدها وإذا شاء خلعها، فأهوى بها عمرو فانفتحت عن الزرافين واعترض الأسود بقوسه ونشابه فكسرها، فلما رأى عمرو ذلك أخذ قوسه فركبها وأوترها وناداه: يا أسود استعن بقوسك فالرمي أحب إلي. فقال الأسود: خدعتني. فقال عمرو: الحرب خدعة، فصارت مثلا، فرماه عمرو ففلق قبله وخلص الجبلان لطيئ، فنزلهما بنو الغوث، ونزلت جديلة السهل منهما لذلك. قال عبيد الله الفقير إليه:
في هذا الخبر نظر من وجوه، منها أن جندبا هو الرابع من ولد طيئ فكيف يكون رجلا يصلح لمثل هذا الامر؟ ثم الشعر الذي أنشده وزعم أنه لعمرو ابن الغوث، وقد رواه أبو اليقظان وأحمد بن يحيى ثعلب وغير هما من الرواة الثقات لهانئ بن أحمر الكناني شاعر جاهلي. ثم كيف تكون القوس حديدا وهي لا تنفذ السهم إلا برجوعها؟ والحديد إذا اعوج لا يرجع البتة. ثم كيف يصح في العقل أن قوسا بزرافين؟
هذا بعيد في العقل إلى غير ذلك من النظر. وقد روى بعض أهل السير من خبر الأسود بن غفار ما هو أقرب إلى القبول من هذا، وهو أن الأسود لما أفلت