بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣ - الصفحة ٩٩
الحوافر والأخفاف ليقيها من الحفا، إذ كانت لا أيدي لها ولا أكف ولا أصابع مهيأة للغزل والذبح فكفوا بأن جعل كسوتهم في خلقتهم باقية عليهم ما بقوا لا يحتاجون إلى تجديدها والاستبدال بها، فأما الانسان فإنه ذو حيلة وكف مهيأة للعمل فهو ينسج و يغزل ويتخذ لنفسه الكسوة، ويستبدل بها حالا بعد حال، وله في ذلك صلاح من جهات، من ذلك: أنه يشتغل بصنعة اللباس عن العبث وما يخرجه إليه الكفاية، ومنها: أنه يستريح إلى خلع كسوته إذا شاء، ولبسها إذا شاء، ومنها: أن يتخذ لنفسه من الكسوة ضروبا لها جمال وروعة فيتلذذ بلبسها وتبديلها. وكذلك يتخذ بالرفق من الصنعة ضروبا من الخفاف والنعال يقي بها قدميه، وفي ذلك معايش لمن يعمله من الناس ومكاسب يكون فيها معاشهم، ومنها أقواتهم وأقوات عيالهم، فصار الشعر والوبر والصوف يقوم للبهائم مقام الكسوة والأظلاف والحوافر، والأخفاف مقام الحذاء.
بيان: قال الجوهري: قال الكسائي: رجل حاف بين الحفوة والحفاء بالمد، و هو الذي يمشي بلا خف ولا نعل، وقال: وأما الذي حفي من كثرة المشي أي رقت قدمه أو حافره فإنه حف بين الحفا مقصورا، وأحفاه غيره. انتهى. قوله عليه السلام: و روعة من قولهم: راعني الشئ: أعجبني.
فكريا مفضل في خلقة عجيبة جعلت في البهائم، فإنهم يوارون أنفسهم إذا ماتوا كما يواري الناس موتاهم، وإلا فأين جيف هذه الوحوش والسباع وغيرها لا يرى منها شئ؟ وليست قليلة فتخفى لقلتها، بل لو قال قائل: إنها أكثر من الناس لصدق، فاعتبر ذلك بما تراه في الصحاري والجبال من أسراب الظبا والمها والحمير والوعول والأيائل وغير ذلك من الوحوش، وأصناف السباع من الأسد والضباع والذئاب والنمور وغيرها، وضروب الهوام والحشرات ودواب الأرض، وكذلك أسراب الطير من الغربان (1) و القطا (2) والإوز (3) والكراكي (4) والحمام وسباع الطير جميعا وكلها لا يرى منها شئ إذا

(1) جمع الغراب.
(2) جمع القطاة: طائر في حجم الحمام.
(3) جمع الإوزة: طائر مائي يقال له: الوزة أيضا.
(4) جمع الكركي: طائر كبير أغبر اللون، طويل العنق والرجلين، أبتر الذنب، قليل اللحم، يأوى إلى الماء أحيانا.
(٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 باب 1 ثواب الموحدين والعارفين، وبيان وجوب المعرفة وعلته، وبيان ما هو حق معرفته تعالى، وفيه 39 حديثا. 1
3 باب 2 علة احتجاب الله عز وجل عن خلقه، وفيه حديثان 15
4 باب 3 إثبات الصانع والاستدلال بعجائب صنعه على وجوده وعلمه وقدرته وسائر صفاته، وفيه 29 حديثا. 16
5 باب 4 توحيد المفضل. 57
6 باب 5 حديث الإهليلجية. 152
7 باب 6 التوحيد ونفي الشرك، ومعنى الواحد والأحد والصمد، وتفسير سورة التوحيد، وفيه 25 حديثا. 198
8 باب 7 عبادة الأصنام والكواكب والأشجار والنيرين وعلة حدوثها وعقاب من عبدها أو قرب إليها قربانا، وفيه 12 حديثا. 244
9 باب 8 نفي الولد والصاحبة، وفيه 3 أحاديث. 254
10 باب 9 النهي عن التفكر في ذات الله تعالى، والخوض في مسائل التوحيد، وإطلاق القول بأنه شيء، وفيه 32 حديثا. 257
11 باب 10 أدنى ما يجزي من المعرفة والتوحيد، وأنه لا يعرف الله إلا به، وفيه 9 أحاديث. 267
12 باب 11 الدين الحنيف والفطرة وصبغة الله والتعريف في الميثاق، وفيه 42 حديثا. 276
13 باب 12 إثبات قدمه تعالى وامتناع الزوال عليه وفيه 7 أحاديث. 283
14 باب 13 نفي الجسم والصورة والتشبيه والحلول والاتحاد، وأنه لا يدرك بالحواس والأوهام والعقول والأفهام، وفيه 47 حديثا. 287
15 باب 14 نفي الزمان والمكان والحركة والانتقال عنه تعالى، وتأويل الآيات والأخبار في ذلك، وفيه 47 حديثا. 309