حتى يعطى أحدهما بالآخر ويؤخذ أحدهما بذنب الآخر، وقد يحدث مثل هذا في تشابه الأشياء فضلا عن تشابه الصورة، فمن لطف لعباده بهذه الدقائق التي لا تكاد تخطر بالبال حتى وقف بها على الصواب إلا من وسعت رحمته كل شئ؟ لو رأيت تمثال الانسان مصورا على حائط فقال لك قائل: إن هذا ظهر ههنا من تلقاء نفسه لم يصنعه صانع أكنت تقبل ذلك؟ بل كنت تستهزئ به فكيف تنكر هذا في تمثال مصور جماد ولا تنكر في الانسان الحي الناطق؟ لم صارت أبدان الحيوان وهي تغتذي أبدا لا تنمي، بل تنتهي إلى غاية من النمو ثم تقف ولا تتجاوزها لولا التدبير في ذلك؟ فإن من تدبير الحكيم فيها أن يكون أبدان كل صنف منها على مقدار معلوم غير متفاوت في الكبير والصغير، (1) وصارت تنمي حتى تصل إلى غايتها ثم يقف ثم لا يزيد والغذاء مع ذلك دائم لا ينقطع، ولو كانت تنمي نموا دائما لعظمت أبدانها واشتبهت مقاديرها حتى لا يكون لشئ منها حد يعرف، لم صارت أجسام الانس خاصة تثقل عن الحركة والمشي ويجفو عن الصناعات اللطيفة إلا لتعظيم المؤونة فيما يحتاج إليه الناس للملبس والمضجع والتكفين وغير ذلك، لو كان الانسان لا يصيبه ألم ولا وجع بم كان يرتدع عن الفواحش ويتواضع لله ويتعطف على الناس؟ أما ترى الانسان إذا عرض له وجع خضع واستكان ورغب إلى ربه في العافية وبسط يديه بالصدقة؟
ولو كان لا يألم من الضرب بم كان السلطان يعاقب الدعار (2) ويذل العصاة المردة؟ وبم كان الصبيان يتعلمون العلوم والصناعات؟ وبم كان العبيد يذلون لأربابهم ويذعنون لطاعتهم؟ أفليس هذا توبيخ لابن أبي العوجاء وذويه اللذين جحدوا التدبير، والمانوية الذين أنكروا الألم والوجع، لو لم يولد من الحيوان إلا ذكر (3) فقط أو إناث فقط ألم يكن النسل منقطعا، وباد مع ذلك أجناس الحيوان؟ فصار بعض الأولاد يأتي ذكورا و بعضها يأتي إناثا ليدوم التناسل ولا ينقطع. لم صار الرجل والمرأة إذا أدركا نبتت لهما العانة ثم نبتت اللحية للرجل وتخلفت عن المرأة لولا التدبير في ذلك؟ فإنه لما جعل الله تبارك