بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣ - الصفحة ١٠٣
فانظر إلى هذه الدويبة الضعيفة كيف جعل في طبعها ما لا يبلغه الانسان إلا بالحيلة واستعمال آلات فيها، فلا تزدر بالشئ إذا كانت العبرة فيه واضحة كالذرة والنملة وما أشبه ذلك فإن المعنى النفيس قد يمثل بالشئ الحقير فلا يضع منه ذلك كما لا يضع من الدينار وهو من ذهب أن يوزن بمثقال من حديد.
بيان: الاحتشاد: الاجتماع. والزبية بالضم: الحفرة. والنشر بالفتح وبالتحريك:
المكان المرتفع. وقال الجوهري: الليث: الأسد وضرب من العناكب يصطاد الذباب بالوثب: انتهى. والموات بالفتح: ما لا روح فيه. ويقال: ما به حراك كسحاب أي حركة.
والشرك بالتحريك: حبالة الصائد. ويقال: أحال عليه بالسوط يضربه أي أقبل. قوله عليه السلام: فكذلك أي كفعل الليث. وقوله: هكذا أي كالعنكبوت. والازدراء: الاحتقار.
قوله عليه السلام: فلا يضع منه أي لا ينقص من قدر المعنى النفيس تمثيله بالشئ الحقير، قال الفيروزآبادي: وضع عنه: حط من قدره.
تأمل يا مفضل جسم الطائر وخلقته فإنه حين قدر أن يكون طائرا في الجو خفف جسمه وادمج خلقه، فاقتصر به من القوائم الأربع على اثنتين، ومن الأصابع الخمس على أربع، ومن منفذين للزبل والبول على واحد يجمعهما، ثم خلق ذا جؤجؤ محدد ليسهل عليه أن يخرق الهواء كيف ما أخذ فيه، كما جعل السفينة بهذه الهيئة لتشق الماء وتنفذ فيه، وجعل في جناحيه وذنبه ريشات طوال متان لينهض بها للطيران، وكسي كله الريش ليداخله الهواء فيقله، ولما قدر أن يكون طعمه الحب واللحم يبلعه بلعا بلا مضغ نقص من خلقه الأسنان، وخلق له منقار صلب جاس يتناول به طعمه فلا ينسجح من لقط الحب، ولا يتقصف من نهش اللحم، ولما عدم الأسنان وصار يزدرد الحب (1) صحيحا واللحم غريضا أعين بفضل حرارة في الجوف تطحن له الطعم طحنا يستغني به عن المضغ، واعتبر ذلك بأن عجم العنب وغيره يخرج من أجواف الانس صحيحا، ويطحن في أجواف الطير لا يرى له أثر، ثم جعل مما يبيض بيضا ولا يلد ولادة لكيلا يثقل عن الطيران فإنه لو كانت الفراخ في جوفه تمكث حتى تستحكم لأثقلته وعاقته عن النهوض

(1) أي يبتلعه ويسرع.
(١٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 باب 1 ثواب الموحدين والعارفين، وبيان وجوب المعرفة وعلته، وبيان ما هو حق معرفته تعالى، وفيه 39 حديثا. 1
3 باب 2 علة احتجاب الله عز وجل عن خلقه، وفيه حديثان 15
4 باب 3 إثبات الصانع والاستدلال بعجائب صنعه على وجوده وعلمه وقدرته وسائر صفاته، وفيه 29 حديثا. 16
5 باب 4 توحيد المفضل. 57
6 باب 5 حديث الإهليلجية. 152
7 باب 6 التوحيد ونفي الشرك، ومعنى الواحد والأحد والصمد، وتفسير سورة التوحيد، وفيه 25 حديثا. 198
8 باب 7 عبادة الأصنام والكواكب والأشجار والنيرين وعلة حدوثها وعقاب من عبدها أو قرب إليها قربانا، وفيه 12 حديثا. 244
9 باب 8 نفي الولد والصاحبة، وفيه 3 أحاديث. 254
10 باب 9 النهي عن التفكر في ذات الله تعالى، والخوض في مسائل التوحيد، وإطلاق القول بأنه شيء، وفيه 32 حديثا. 257
11 باب 10 أدنى ما يجزي من المعرفة والتوحيد، وأنه لا يعرف الله إلا به، وفيه 9 أحاديث. 267
12 باب 11 الدين الحنيف والفطرة وصبغة الله والتعريف في الميثاق، وفيه 42 حديثا. 276
13 باب 12 إثبات قدمه تعالى وامتناع الزوال عليه وفيه 7 أحاديث. 283
14 باب 13 نفي الجسم والصورة والتشبيه والحلول والاتحاد، وأنه لا يدرك بالحواس والأوهام والعقول والأفهام، وفيه 47 حديثا. 287
15 باب 14 نفي الزمان والمكان والحركة والانتقال عنه تعالى، وتأويل الآيات والأخبار في ذلك، وفيه 47 حديثا. 309