فانظر إلى هذه الدويبة الضعيفة كيف جعل في طبعها ما لا يبلغه الانسان إلا بالحيلة واستعمال آلات فيها، فلا تزدر بالشئ إذا كانت العبرة فيه واضحة كالذرة والنملة وما أشبه ذلك فإن المعنى النفيس قد يمثل بالشئ الحقير فلا يضع منه ذلك كما لا يضع من الدينار وهو من ذهب أن يوزن بمثقال من حديد.
بيان: الاحتشاد: الاجتماع. والزبية بالضم: الحفرة. والنشر بالفتح وبالتحريك:
المكان المرتفع. وقال الجوهري: الليث: الأسد وضرب من العناكب يصطاد الذباب بالوثب: انتهى. والموات بالفتح: ما لا روح فيه. ويقال: ما به حراك كسحاب أي حركة.
والشرك بالتحريك: حبالة الصائد. ويقال: أحال عليه بالسوط يضربه أي أقبل. قوله عليه السلام: فكذلك أي كفعل الليث. وقوله: هكذا أي كالعنكبوت. والازدراء: الاحتقار.
قوله عليه السلام: فلا يضع منه أي لا ينقص من قدر المعنى النفيس تمثيله بالشئ الحقير، قال الفيروزآبادي: وضع عنه: حط من قدره.
تأمل يا مفضل جسم الطائر وخلقته فإنه حين قدر أن يكون طائرا في الجو خفف جسمه وادمج خلقه، فاقتصر به من القوائم الأربع على اثنتين، ومن الأصابع الخمس على أربع، ومن منفذين للزبل والبول على واحد يجمعهما، ثم خلق ذا جؤجؤ محدد ليسهل عليه أن يخرق الهواء كيف ما أخذ فيه، كما جعل السفينة بهذه الهيئة لتشق الماء وتنفذ فيه، وجعل في جناحيه وذنبه ريشات طوال متان لينهض بها للطيران، وكسي كله الريش ليداخله الهواء فيقله، ولما قدر أن يكون طعمه الحب واللحم يبلعه بلعا بلا مضغ نقص من خلقه الأسنان، وخلق له منقار صلب جاس يتناول به طعمه فلا ينسجح من لقط الحب، ولا يتقصف من نهش اللحم، ولما عدم الأسنان وصار يزدرد الحب (1) صحيحا واللحم غريضا أعين بفضل حرارة في الجوف تطحن له الطعم طحنا يستغني به عن المضغ، واعتبر ذلك بأن عجم العنب وغيره يخرج من أجواف الانس صحيحا، ويطحن في أجواف الطير لا يرى له أثر، ثم جعل مما يبيض بيضا ولا يلد ولادة لكيلا يثقل عن الطيران فإنه لو كانت الفراخ في جوفه تمكث حتى تستحكم لأثقلته وعاقته عن النهوض