بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣ - الصفحة ١٠٤
والطيران فجعل كل شئ من خلقه مشاكلا للامر الذي قدر أن يكون عليه ثم صار الطائر السائح في هذا الجو يقعد على بيضه فيحضنه أسبوعا، وبعضها أسبوعين، وبعضها ثلاثة أسابيع حتى يخرج الفرخ من البيضة ثم يقبل عليه فيزقه الريح لتتسع حوصلته للغذاء ثم يربيه ويغذيه بما يعيش به فمن كلفه أن يلقط الطعم ويستخرجه بعد أن يستقر في حوصلته ويغذو به فراخه؟ ولأي معنى يحتمل هذه المشقة وليس بذي روية ولا تفكر؟
ولا يأمل في فراخه ما يأمل الانسان في ولده من العز والرفد (1) وبقاء الذكر؟ فهذا هو فعل (2) يشهد بأنه معطوف على فراخه، لعله لا يعرفها ولا يفكر فيها وهي دوام النسل وبقاؤه لطفا من الله تعالى ذكره.
انظر إلى الدجاجة كيف تهيج لحضن البيض والتفريخ وليس لها بيض مجتمع ولا وكر (3) موطى بل تنبعث وتنتفخ وتقوقى وتمتنع من الطعم حتى يجمع لها البيض فتحضنه وتفرخ فلم كان ذلك منها إلا لإقامة النسل؟ ومن أخذها بإقامة النسل ولا روية ولا تفكر لولا أنها مجبولة على ذلك؟.
اعتبر بخلق البيضة وما فيها من المح الأصفر الخاثر، والماء الأبيض الرقيق، فبعضه لينتشر منه الفرخ، وبعضه ليغذي به، (4) إلى أن تنقاب عنه البيضة، وما في ذلك من التدبير فإنه لو كان نشؤ الفرخ في تلك القشرة المستحصنة التي لا مساغ لشئ إليها لجعل معه في جوفها من الغذاء ما يكتفي به إلى وقت خروجه منها، كمن يحبس في حبس حصين لا يوصل إلى من فيه فيجعل معه من القوت ما يكتفي به إلى وقت خروجه منه.
فكر في حوصلة الطائر وما قدر له، فإن مسلك الطعم إلى القانصة (5) ضيق لا ينفذ فيه الطعام إلا قليلا قليلا، فلو كان الطائر لا يلقط حبة ثانية حتى تصل الأولى إلى القانصة لطال عليه، ومتى كان يستوفي طعمه؟ فإنما يختلسه اختلاسا لشدة الحذر،

(1) الرفد: النصيب، المعاونة.
(2) وفي نسخة: فهذا من فعله يشهد بأنه معطوف على فراخه.
(3) الوكر - بفتح الواو وسكون الكاف -: عش الطائر.
(4) وفي نسخة: ليغتذى به.
(5) القانصة للطير: كالمعدة للانسان.
(١٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 باب 1 ثواب الموحدين والعارفين، وبيان وجوب المعرفة وعلته، وبيان ما هو حق معرفته تعالى، وفيه 39 حديثا. 1
3 باب 2 علة احتجاب الله عز وجل عن خلقه، وفيه حديثان 15
4 باب 3 إثبات الصانع والاستدلال بعجائب صنعه على وجوده وعلمه وقدرته وسائر صفاته، وفيه 29 حديثا. 16
5 باب 4 توحيد المفضل. 57
6 باب 5 حديث الإهليلجية. 152
7 باب 6 التوحيد ونفي الشرك، ومعنى الواحد والأحد والصمد، وتفسير سورة التوحيد، وفيه 25 حديثا. 198
8 باب 7 عبادة الأصنام والكواكب والأشجار والنيرين وعلة حدوثها وعقاب من عبدها أو قرب إليها قربانا، وفيه 12 حديثا. 244
9 باب 8 نفي الولد والصاحبة، وفيه 3 أحاديث. 254
10 باب 9 النهي عن التفكر في ذات الله تعالى، والخوض في مسائل التوحيد، وإطلاق القول بأنه شيء، وفيه 32 حديثا. 257
11 باب 10 أدنى ما يجزي من المعرفة والتوحيد، وأنه لا يعرف الله إلا به، وفيه 9 أحاديث. 267
12 باب 11 الدين الحنيف والفطرة وصبغة الله والتعريف في الميثاق، وفيه 42 حديثا. 276
13 باب 12 إثبات قدمه تعالى وامتناع الزوال عليه وفيه 7 أحاديث. 283
14 باب 13 نفي الجسم والصورة والتشبيه والحلول والاتحاد، وأنه لا يدرك بالحواس والأوهام والعقول والأفهام، وفيه 47 حديثا. 287
15 باب 14 نفي الزمان والمكان والحركة والانتقال عنه تعالى، وتأويل الآيات والأخبار في ذلك، وفيه 47 حديثا. 309