بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣ - الصفحة ١٠٢
فمن أين هذا التقدير والصواب في خلق الذرة إلا من التدبير القائم في صغير الخلق و كبيره؟.
انظر إلى النمل واحتشادها في جمع القوت وإعداده، فإنك ترى الجماعة منها إذا نقلت الحب إلى زبيتها بمنزلة جماعة من الناس ينقلون الطعام أو غيره، بل للنمل في ذلك من الجد والتشمير ما ليس للناس مثله، أما تريهم يتعاونون على النقل كما يتعاون الناس على العمل؟ ثم يعمدون إلى الحب فيقطعونه قطعا لكيلا ينبت فيفسد عليهم (1) فإن أصابه ندى أخرجوه فنشروه حتى يجف، ثم لا يتخذ النمل الزبية إلا في نشر من الأرض كي لا يفيض السيل فيغرقها (2) فكل هذا منه بلا عقل ولا روية بل خلقة خلق عليها لمصلحة لطفا من الله عز وجل.
انظر إلى هذا الذي يقال له: الليث، وتسميه العامة أسد الذباب، وما أعطي من الحيلة والرفق في معاشه، فإنك تراه حين يحس بالذباب قد وقع قريبا منه تركه مليا حتى كأنه موات لا حراك به، فإذا رأى الذباب قد اطمأن وغفل عنه دب دبيبا دقيقا (3) حتى يكون منه بحيث يناله وثبه ثم يثب عليه فيأخذه فإذا أخذه اشتمل عليه بجسمه كله مخافة أن ينجو منه فلا يزال قابضا عليه حتى يحس بأنه قد ضعف واسترخى ثم يقبل عليه فيفترسه ويحيى بذلك منه، فأما العنكبوت فإنه ينسج ذلك النسج فيتخذه شركا ومصيدة للذباب ثم يكمن في جوفه فإذا نشب فيه الذباب (4) أجال عليه يلدغه ساعة بعد ساعة فيعيش بذلك منه فكذلك يحكى صيد الكلاب والفهود، وهكذا يحكى صيد الاشراك والحبائل.

(1) ويقطع الكسفرة ويقسمها أرباعا، لما الهم من أن كل نصف منها ينبت.
(2) قال الدميري: يحفر قريته بقوائمه وهي ست، فإذا حفرها جعل فيها تعاريج، لئلا يجرى إليها ماء المطر، وربما اتخذ قرية فوق قرية بسبب ذلك، وإنما يفعل ذلك خوفا على ما يدخره من البلل، ومن عجائبه اتخاذ القرية تحت الأرض، وفيها منازل ودهاليز وغرف وطبقات معلقة، يملؤها حبوبا وذخائر للشتاء.
(3) وفي نسخة: دب دبيبا رقيقا.
(4) أي وقع فيه.
(١٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 باب 1 ثواب الموحدين والعارفين، وبيان وجوب المعرفة وعلته، وبيان ما هو حق معرفته تعالى، وفيه 39 حديثا. 1
3 باب 2 علة احتجاب الله عز وجل عن خلقه، وفيه حديثان 15
4 باب 3 إثبات الصانع والاستدلال بعجائب صنعه على وجوده وعلمه وقدرته وسائر صفاته، وفيه 29 حديثا. 16
5 باب 4 توحيد المفضل. 57
6 باب 5 حديث الإهليلجية. 152
7 باب 6 التوحيد ونفي الشرك، ومعنى الواحد والأحد والصمد، وتفسير سورة التوحيد، وفيه 25 حديثا. 198
8 باب 7 عبادة الأصنام والكواكب والأشجار والنيرين وعلة حدوثها وعقاب من عبدها أو قرب إليها قربانا، وفيه 12 حديثا. 244
9 باب 8 نفي الولد والصاحبة، وفيه 3 أحاديث. 254
10 باب 9 النهي عن التفكر في ذات الله تعالى، والخوض في مسائل التوحيد، وإطلاق القول بأنه شيء، وفيه 32 حديثا. 257
11 باب 10 أدنى ما يجزي من المعرفة والتوحيد، وأنه لا يعرف الله إلا به، وفيه 9 أحاديث. 267
12 باب 11 الدين الحنيف والفطرة وصبغة الله والتعريف في الميثاق، وفيه 42 حديثا. 276
13 باب 12 إثبات قدمه تعالى وامتناع الزوال عليه وفيه 7 أحاديث. 283
14 باب 13 نفي الجسم والصورة والتشبيه والحلول والاتحاد، وأنه لا يدرك بالحواس والأوهام والعقول والأفهام، وفيه 47 حديثا. 287
15 باب 14 نفي الزمان والمكان والحركة والانتقال عنه تعالى، وتأويل الآيات والأخبار في ذلك، وفيه 47 حديثا. 309