بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣ - الصفحة ٩٦
لتقبض به على العلف ثم تقضمه، واعينت بالجحفلة تتناول بها ما قرب وما بعد. اعتبر بذنبها والمنفعة لها فيه فإنه بمنزلة الطبق على الدبر والحيأ جميعا يواريهما ويسترهما، ومن منافعها فيه أن ما بين الدبر ومراقي البطن منها وضر يجتمع عليه الذباب والبعوض فجعل لها الذنب كالمذبة تذب بها عن ذلك الموضع، ومنها أن الدابة تستريح إلى تحريكه وتصريفه يمنة ويسرة فإنه لما كان قيامها على الأربع بأسرها وشغلت المقدمتان بحمل البدن عن التصرف والتقلب كان لها في تحريك الذنب راحة، وفيه منافع أخرى يقصر عنها الوهم يعرف موقعها في وقت الحاجة إليها فمن ذلك أن الدابة ترتطم في الوحل (1) فلا يكون شئ أعون على نهوضها من الاخذ بذنبها، وفي شعر الذنب منافع للناس كثيرة يستعملونها في مأربهم، ثم جعل ظهرها مسطحا مبطوحا على قوائم أربع ليتمكن من ركوبها، وجعل حياها بارزا من ورائها ليتمكن الفحل من ضربها، ولو كان أسفل البطن كمكان الفرج من المرأة لم يتمكن الفحل منها، ألا ترى أنه لا يستطيع بأن يأتيها كفاحا كما يأتي الرجل المرأة.
تأمل مشفر الفيل وما فيه من لطيف التدبير فإنه يقوم مقام اليد في تناول العلف والماء وازدرادهما (2) إلى جوفه، ولولا ذلك ما استطاع أن يتناول شيئا من الأرض لأنه ليست له رقبة يمدها كسائر الانعام، فلما عدم العنق أعين مكان ذلك بالخرطوم الطويل ليسدله (3) فيتناول به حاجته، فمن ذا الذي عوضه مكان العضو الذي عدمه ما يقوم مقامه إلا الرؤوف بخلقه؟ وكيف يكون هذا بالاهمال كما قالت الظلمة؟
فإن قال قائل: فما باله لم يخلق ذا عنق كسائر الانعام؟ قيل له: إن رأس الفيل واذنيه أمر عظيم وثقل ثقيل، ولو كان ذلك على عنق عظيمة لهدها وأوهنها فجعل رأسه ملصقا بجسمه لكيلا ينال منه ما وصفنا، وخلق له مكان العنق هذا المشفر ليتناول به غذاءه فصار مع عدمه العنق مستوفيا ما فيه بلوغ حاجته.
انظر الآن كيف جعل حيا الأنثى من الفيلة في أسفل بطنها فإذا هاجت للضراب

(1) أي تسقط في الوحل.
(2) الازداد: البلع.
(3) أي ليرسله ويرخيه.
(٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 تعريف الكتاب تعريف الكتاب 1
2 باب 1 ثواب الموحدين والعارفين، وبيان وجوب المعرفة وعلته، وبيان ما هو حق معرفته تعالى، وفيه 39 حديثا. 1
3 باب 2 علة احتجاب الله عز وجل عن خلقه، وفيه حديثان 15
4 باب 3 إثبات الصانع والاستدلال بعجائب صنعه على وجوده وعلمه وقدرته وسائر صفاته، وفيه 29 حديثا. 16
5 باب 4 توحيد المفضل. 57
6 باب 5 حديث الإهليلجية. 152
7 باب 6 التوحيد ونفي الشرك، ومعنى الواحد والأحد والصمد، وتفسير سورة التوحيد، وفيه 25 حديثا. 198
8 باب 7 عبادة الأصنام والكواكب والأشجار والنيرين وعلة حدوثها وعقاب من عبدها أو قرب إليها قربانا، وفيه 12 حديثا. 244
9 باب 8 نفي الولد والصاحبة، وفيه 3 أحاديث. 254
10 باب 9 النهي عن التفكر في ذات الله تعالى، والخوض في مسائل التوحيد، وإطلاق القول بأنه شيء، وفيه 32 حديثا. 257
11 باب 10 أدنى ما يجزي من المعرفة والتوحيد، وأنه لا يعرف الله إلا به، وفيه 9 أحاديث. 267
12 باب 11 الدين الحنيف والفطرة وصبغة الله والتعريف في الميثاق، وفيه 42 حديثا. 276
13 باب 12 إثبات قدمه تعالى وامتناع الزوال عليه وفيه 7 أحاديث. 283
14 باب 13 نفي الجسم والصورة والتشبيه والحلول والاتحاد، وأنه لا يدرك بالحواس والأوهام والعقول والأفهام، وفيه 47 حديثا. 287
15 باب 14 نفي الزمان والمكان والحركة والانتقال عنه تعالى، وتأويل الآيات والأخبار في ذلك، وفيه 47 حديثا. 309