فسار حتى أتى حمام عمر (1)، ثم أخذ على دير كعب، فنزل ساباط دون القنطرة وبات هناك، فلما أصبح أراد عليه السلام أن يمتحن أصحابه ويستبرئ أحوالهم في الطاعة له، ليتميز بذلك أولياؤه من أعدائه، ويكون على بصيرة في لقاء معاوية وأهل الشام، فأمر أن ينادي في الناس بالصلاة جامعة، فاجتمعوا فصعد المنبر فخطبهم فقال: " الحمد لله بكل ما حمده حامد، وأشهد أن لا إله إلا الله كلما شهد له شاهد، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالحق وائتمنه على الوحي صلى الله عليه وآله.
أما بعد: فوالله إني لأرجو أن أكون قد أصبحت - بحمد الله عنه - وأنا أنصح خلق الله لخلقه، وما أصبحت محتملا على مسلم ضغينة ولا مريدا له بسوء ولا غائلة، ألا وإن ما تكرهون في الجماعة خير لكم مما تحبون في الفرقة، ألا وإني ناظر لكم خيرا من نظركم لأنفسكم فلا تخالفوا أمري، ولا تردوا علي رأيي، غفر الله لي ولكم وأرشدني وإياكم لما فيه المحبة والرضا " (2).
قال: فنظر الناس بعضهم إلى بعض وقالوا: ما ترونه يريد بما قال؟ قالوا: نظنه - والله - يريد أن يصالح معاوية ويسلم الأمر إليه، فقالوا: كفر - والله - الرجل، ثم شدوا على فسطاطه فانتهبوه، حتى أخذوا مصلاه من تحته، ثم شد عليه عبد الرحمن بن عبد الله بن جعال الأزدي فنزع مطرفه (3) عن عاتقه، فبقي جالسا متقلدا السيف بغير