ثم سار حتى دخل الكوفة فأقام بها أياما، فلا استتمت البيعة له من أهلها، صعد المنبر فخطب الناس، وذكر أمير المؤمنين عليه السلام فنال منه ونال من الحسن، وكان الحسن والحسين صلوات الله عليهما حاضرين، فقام الحسين ليرد عليه فأخذ بيده الحسن فأجلسه ثم قام فقال: " أيها الذاكر عليا، أنا الحسن وأبي علي، وأنت معاوية وأبوك صخر، وأمي. فاطمة وأمك هند، وجدي رسول الله وجدك حرب، وجدتي خديجة وجدتك قتيلة، فلعن الله أخملنا ذكرا، وألأمنا حسبا، وشرنا قدما، وأقدمنا كفرا ونفاقا " فقال طوائف من أهل المسجد: آمين آمين.
ولما استقر الصلح بين الحسن صلوات الله عليه وبين معاوية على ما ذكرناه، خرج الحسن عليه السلام إلى المدينة فأقام بها كاظما غيظه، لازما منزله، منتظرا لأمر ربه جل اسمه، إلى أن تم لمعاوية عشر سنين من إمارته وعزم على البيعة لابنه يزيد، فدس إلى جعدة بنت الأشعث بن قيس - وكانت زوجة الحسن عليه السلام - من حملها على سمه، وضمن لها أن يزوجها بابنه يزيد، وأرسل إليها مائة ألف درهم، فسقته جعدة السم، فبقي عليه السلام مريضا أربعين يوما، ومضى عليه السلام لسبيله في صفر سنة خمسين من الهجرة وله يومئذ ثمان وأربعون سنة، فكانت خلافته عشر سنين، وتولى أخوه ووصيه الحسين عليه السلام غسله وتكفينه ودفنه عند جدته فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف رحمة الله عليها بالبقيع.