قال في الدرر المراد بالحديث الأول: أن الواهب لا ينفرد بالرجوع بلا قضاء، ولا رضا إلا الوالد إذا احتاج إلى ذلك، فإنه ينفرد بالأخذ لحاجته: أي للانفاق، وسمي ذلك رجوعا نظرا إلى الظاهر وإن لم يكن رجوعا حقيقة، على أن هذا الحكم غير مختص بالهبة، بل الأب إذا احتاج له الاخذ من مال ابنه ولو غائبا، ولو لم يحتج لا يجوز له الاخذ. ا ه ملخصا ط. أو المراد: أنه لا يحل الرجوع بطريق الديانة والمروءة، وهو كقوله عليه الصلاة والسلام لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت شبعان وجاره إلى جنبه طاو أي لا يليق ذلك بالديانة والمروءة وإن كان جائزا في الحكم. نهاية.
وقال الزيلعي بعدما أجاب بما أجاب به صاحب الدرر: على أنا لا نسلم أن الحديث الذي رواه ينافي الرجوع، لأنه خبر عن قبحه، فمعناه: أنه لا يليق به أن يرجع فيه إلا الواهب فيما يهبه لولده، ونظيره قوله عليه الصلاة والسلام المؤمن لا يكذب وقوله عليه الصلاة والسلام الزاني لا يزني وهو مؤمن أي لا يليق به أن يكذب أو يزني وهو مؤمن، لا أنه ينافي صفة الايمان به، بل هو قبيح ومع الايمان أقبح فكذا هذا الخ، أي قبيح من حيث العادة لا الشرع، لان الشرع مكنه من الرجوع، وبمذهب الإمام الشافعي قال الامام مالك وأحمد في ظاهر مذهبه. عزمي زاده. قوله: (وقيل تنزيها) أخذا من قول المبسوط إنه غير مستحب، ولا دلالة فيه على أن الكراهة للتنزيه، فإن المكروه تحريما والحرام غير مستحب، وقول الزيلعي: الرجوع قبيح صريح في أن الكراهة للتحريم، إذ لا يقال للمكروه تنزيها قبيح، لأنه من قبيل المباح أو قريب منه.
قال في المنح: وقد وصف الرجوع بالقبح الزاهدي والحدادي وكثير من الشارحين، ومن ثم اخترنا كراهة التحريم.
قال في الفتاوى الغياثية: الرجوع في الهبة مكروه في الأحوال كلها ويصح. وكذا في التتارخانية انتهى. ودليل الكراهة التحريمية خاص من السنة، وهو الحديث المتقدم، وروى الكرخي عن أصحابنا أنه حرام. قوله: (فلا يسقط الخ) علم من هذا أن الاسقاط لا يكون في كل حق، فإن بعض الحقوق لا تسقط وإن أسقطها صاحبها كهذا الحق كما في البزازية فهو نظير الميراث والاستحقاق في الوقف يثبت جبرا، فلا يسقط بالاسقاط. قوله: (وكان عوضا الخ) أي أن حق الرجوع لا يسقط بالاسقاط لا مجانا ولا بعوض، وإنما يسقط الرجوع بجعل العوض عوضا عن الهبة والتعويض عن الهبة يمنع من الرجوع كما يأتي في الموانع. قوله: (لكن سيجئ) أي نقلا عن المجتبى، وسيقول الشارح إنه لم ير من صرح به غيره وإن فروع المذهب مطلقة، ولا يخفى ما قاله ابن وهبان: أن ما تفرد به الزاهدي لا يعول عليه، مع أن كلا مؤول بأن العوض إذا لم ينص عليه أنه عوض عنها لا يكون مانعا من الرجوع، ويكون لكل من الواهبين أن يرجع في هبته، ويكون معنى قوله إذا كان مشروطا في العقد: أي عقد التعويض، ولذا قال بعده: فأما إذا عوضه بعده فلا وهي هبة مبتدأة، وهذا قد صرحوا به أنه عند عدم التصريح بالتعويض لكل منهما أن يرجع، فتوافق عبارة المجتبى بقية نصوص الفقهاء، وظاهر كلام الخير الرملي والخير بن إلياس في كتابتهما على منح الغفار تسليم ما في المجتبى من هذا الشرط: وقد علمت أنه بهذا المعنى غير مسلم له لاطلاق المتون والشروح