الرجوع في الهبة فانصرف إلى الأعيان، فلا رجوع في هبة الدين للمديون بعد القبول، بخلافه قبله لكونه إسقاطا. بحر وسيأتي آخر الفصل عند الكلام على النظم عبارة البحر وأنه اشتبه عليه الرد بالرجوع، فتأمل.
وفي البحر: لا يخفى حسن تأخير هذا الباب، ودخل في الهبة الهدية، فإن للمهدي الرجوع كما في المنية وغيرها. در منتقى. وأخرج بالهبة الصدقة: أي للفقير فإنه لا يصح الرجوع فيها لان القصد فيها الثواب وقد حصل حموي. والمراد بالهبة ما كان هبة لغني، فلو كانت لفقير فلا رجوع لأنها صدقة. شرنبلالية. قوله: (صح الرجوع فيها) أي في الهبة الصحيحة بعد القبض، وأشار بذكر الصحة دون الجواز إلى أنه يكره الرجوع فيها كما يأتي، وإنما صح لقوله عليه الصلاة والسلام الواهب أحق بهبته ما لم يثب أي يعوض.
وقال الشافعي: لا يصح إلا في هبة الوالد لولده لقوله عليه الصلاة والسلام لا يرجع الواهب في هبته، إلا الوالد فيما وهب لولده ونحن نقول: المراد نفي الاستبداد في الرجوع والتملك للحاجة. وفي المقدسي: لا ينبغي أن يشتري الواهب الموهوب من الموهوب له لأنه يستحي فيأخذه بأقل من قيمته ا ه. وقد سمعنا أن بعض قضاة الزمن السابق كان لا يشتري من بعض أهل محلته خوف المراعاة، بخلاف بعض قضاة زماننا فإنهم متى أمكنهم الشراء بأنفسهم لا يعدلون عنه ليأخذوا الكثير بالقليل للمراعاة والخوف، بل بعضهم له مكس على البياعين.
قال في الهندية: وألفاظ الرجوع: رجعت في هبتي، أو ارتجعتها، أو رددتها إلى ملكي، أو أبطلتها وأنقضتها، فإن لم يتلفظ بذلك ولكنه باعها أو رهنها أو أعتق العبد الموهوب أو دبره لم يكن ذلك رجوعا، وكذا لو صبغ الثوب أو خلط الطعام بطعام نفسه لم يكن رجوعا ولو قال إذا جاء رأس الشهر فقد ارتجعتها لم يصح. كذا في الجوهرة النيرة ا ه. وفيها يجب أن يعلم بأن الهبة أنواع: هبة لذي رحم محرم، وهبة لأجنبي، أو لذي رحم ليس بمحرم. أو لمحرم ليس بذي رحم. وفي جميع ذلك للواهب حق الرجوع قبل التسليم. كذا في الذخيرة سواء كان حاضرا أو غائبا أذن له في قبضه أو لم يأذن له. كذا في المبسوط، وبعد التسليم ليس له حق الرجوع في ذي الرحم المحرم، وفيما سوى ذلك له حق الرجوع إلا أن بعد التسليم لا ينفرد الواهب بالرجوع، بل يحتاج فيه إلى القضاء أو الرضا، وقبل التسليم ينفرد الواهب بذلك. كذا في الذخيرة. قوله: (فلم تتم الهبة) يعني لو وجد الايجاب والقبول ثم امتنع عن التسليم، فإنه لا يسمى رجوعا لان الهبة لم تتم فلم يخرج الموهوب عن ملك واهبه، فلا يقال إن له رجوعا فيه، ولا فرق بين ذي الرحم والزوجين، وغير ذلك والظاهر أنها لا تخلو عن الكراهة لأنها لا تنزل عن الوعد بل هي فوقه. قوله: (مع انتفاء مانعه الآتي) المشار إليه بدمع خزقة. قوله: (وإن كره تحريما) بهذا حصل الجمع بين قوله (ص) لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي ولده ومثل الذي يعطي العطية ثم يرجع كمثل الكلب يأكل، فإذا شبع قاء ثم عاد في قيئه، وبين قوله عليه الصلاة والسلام من وهب هبة فهو أحق بها ما لم يثب منها ا ه. فبالثاني ثبت الرجوع وبالأول ثبتت كراهة التحريم، ويثب بضم الياء التحتية وفتح المثلثة مضارع مجهول مجزوم من أثاب يثيب: أي عوض. كذا ضبطه عزمي زاده.