تكملة البحر الرائق - الشيخ محمد بن حسين بن علي الطوري القادري الحنفي - ج ٣ - الصفحة ١٥٦
قطع يد حر عمدا ودفع إليه فحرره فمات من اليد فالعبد صلح بالجناية وإن لم يحرره رد
____________________
قال رحمه الله: (عبد قطع يد حر عمدا ودفع إليه فحرره فمات من اليد فالعبد صلح بالجناية وإن لم يحرره رد على سيده ويقاد) لأنه إذا لم يعتقه وسرى ظهر أن الصلح كان باطلا لأن الصلح وقع على المال وهو العبد عن دية اليد لأن القصاص لا يجري بين الحر والعبد في الأطراف وبالسراية ظهر أن دية اليد غير واجبة وأن الواجب هو القود فصار الصلح باطلا لأن الصلح لا بد له من مصالح عنه والمصالح عنه المال ولم يوجد فبطل الصلح والباطل لا يورث شبهة كما لو وط مطلقته ثلاثا في عدتها مع العلم بحرمتها عليه فإنه لا يصير شبهة في درء الحد فكذا هذا فوجب القصاص. أقول: فيه بحث وهو أنه إذا أراد أن البطلان لا يورث الشبهة فيما إذا علم بطلانه كما هو الظاهر مما ذكره في نظيره حيث قال فيه مع العلم بحرمتها عليه فهو مسلم لكن لا يجدي نفعا ههنا لأن الدافع لم يعلم أن القطع يسري فيكون موجبه القود بل ظن أن لا يسري وكان موجبة المال، وإن أراد أن الباطل لا يورث الشبهة وإن لم يعلم بطلانه فهو ممنوع ألا ترى أنه إذا وطئ المطلقة ثلاثا في عدتها ولم يعلم بحرمتها عليه بل ظن أنها تحل له فإنه يورث الشبهة فيدرء الحد كما صرحوا به في كتاب الحدود، ويفهم أيضا ههنا من قوله مع العلم بحرمتها عليه. وأما إذا أعتقه فقد قصد صحة الاعتاق ضرورة لأن العاقل يقصد تصحيح تصرفه ولا صحة له إلا بالصلح عن الجناية وما يحدث منها ابتداء ولهذا لو نص عليه ورضي به جاز فكان مصالحا عن الجناية، وما يحدث منها على العبد مقتضى الاقدام على الاعتاق والمولى أيضا مصالحا معه على هذا الوجه راضيا به لأنه لما رضي بكون العبد عوضا عن القليل كان راضيا بكونه عوضا عن الكثير، فإذا أعتقه صح الصلح في ضمن الاعتاق ابتداء، وإذا لم يعتقه لم يوجد الصلح ابتداء والصلح الأول وقع باطلا فيرد العبد إلى المولى والأولياء بالخيار إن شاؤوا عفوا عنه، وإن شاؤوا قتلوه. وذكر في بعض نسخ الجامع الصغير: رجل قطع يد رجل عمدا فصالح المقطوع يده على عبده ودفعه إليه فأعتقه المقطوع يده ثم مات من ذلك فالعبد صلح بالجناية، وإن لم يعتقد رد على مولاه، وقيل للأولياء إما أن تقتلوه أو تعفوا عنه، والوجه ما بيناه فاتحد الحكم والعلة واختلفا صورة: ثم هذه المسألة وهي مسألة الصلح ترد إشكالا على قول أبي حنيفة فيما إذا عفا عن اليد ثم سرى إلى النفس ومات حيث يبطل العفو ولا يجب القصاص هناك، وفي هذه المسألة قال: يبطل الصلح ويجب القصاص فيما إذا لم يعتق العبد، وإن أعتقه فالصلح باق على حاله، فالجواب أما إذا لم يعتقه فقد قيل ما ذكر في مسألة الصلح جواب القياس، وما ذكر في مسألة الصلح جواب الاستحسان فيكونان على القياس والاستحسان. وقيل بالفرق بينهما ووجهه أن الصلح عن الجناية على مال يقرر الجناية ولا يبطلها لأن الصلح عن الجناية استيفاء للجناية معنى باستيفاء بدلها ولهذا تعينت الجناية وتوفر عليه عقوبتها وهو القصاص، أقول: يرد عليه
(١٥٦)
مفاتيح البحث: صلح (يوم) الحديبية (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 139 140 142 147 153 156 157 158 159 160 161 ... » »»
الفهرست