البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٥ - الصفحة ١٣٣
الدنيا معروفا) * (لقمان: 15) ولأنه يجب عليه إحياؤه بالانفاق فيناقضه الاطلاق في إفنائه ولو قتله لا شئ عليه لعدم العاصم قوله: (وليأب الابن ليقتله غيره) أي ليمتنع الابن من إطلاقه وقتله ليقتله غيره لأن المقصود يحصل بغيره من غير اقتحامه المأثم فإذا أدركه في الصف يشغله بالمحاولة بأن يعرقب فرسه أو يطرحه من فرسه ويلجئه إلى مكان، ولا ينبغي أن ينصرف عنه ويتركه لأن يصير حربا علينا. ولو قال المصنف وقتل أصله المشرك لكان أولى لأن هذا الحكم لا يخص الأب لأن أمه وأجداده وجداته من قبل الأب والام كالأب فلا يبتدئهم بالقتل.
وخرج فرعه وإن سفل فللأب أن يبتدئ بقتل ابنه الكافر لأنه لا يجب عليه احياؤه، وكذا أخوه وخاله وعمه المشركون ولذا لم يجب عليه الانفاق عليهم إلا بشرط الاسلام. وقيدنا بالابتداء لأنه لو قصد الأب قتله بحيث لا يمكنه دفعه إلا بقتله لا بأس به لأن مقصوده الدفع ألا ترى أنه لو شهر الأب المسلم سيفه على ابنه ولا يمكنه دفعه إلا بقتله لا بأس بقتله لما بينا فهذا أولى. وقيد بالمشرك لأن الباغي يكره ابتداء القريب بقتله، سواء كان أبا أو أخا أو غيرهما لأنه يجب عليه إحياؤه بالانفاق عليه لاتحاد الدين فكذا بترك القتل، وأما في الرجم إذا كان الابن أحد الشهود فيبتدئ بالرجم ولا يقصد قتله بأن يرميه مثلا بحصاة.
قوله: (ونصالحهم ولو بمال لو خيرا) لقوله تعالى * (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها) * (الأنفال: 61) ووادع رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة عام الحديبية على أن يضع الحرب بينه وبينهم عشر سنين ولان الموادعة جهاد معنى إذا كان خيرا للمسلمين لأن المقصود وهو دفع الشر حاصل به فإذا وقع الصلح أمنوا على أنفسهم وأموالهم وذراريهم وأمن من أمنوه وصار في حكمهم كما في الولوالجية: أراد بالصلح العهد على ترك الجهاد مدة معينة أي مدة كانت ولا يقتصر الحكم على المدة المذكورة في المروي لتعدي المعني إلى ما زاد عليها. وقيد بالخير لأنه لا يجوز بالاجماع إذا لم يكن فيه مصطلحة. وأطلق في قوله ولو بمال فشمل المال المدفوع منهم إلينا وعكسه، والأول ظاهر إذا كان بالمسلمين حاجة إليه لأنه جهاد معنى ولأنه إذا جاز بغير المال فبالمال أولى، وإن لم يكن إليهم حاجة به لا يجوز لأنه ترك للجهاد صورة ومعنى، والمأخوذ منهم يصرف مصارف الجزية لأنه مأخوذ بقوة المسلمين كالجزية إلا إذا نزلوا بدارهم للحرب فحينئذ يكون غنيمة لكونه مأخوذا بالقهر، والثاني لا يفعله الإمام لما فيه من إعطاء الدنية ولحوق المذلة إلا إذا خاف على المسلمين لأن دفع الهلاك بأي طريق أمكن واجب.
(١٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 128 129 130 131 132 133 134 135 136 137 138 ... » »»
الفهرست