كتاب السير مناسبته للحدود من حيث إن المقصود منهما إخلاء العالم عن الفساد فكان كل منهما حسنا لمعنى في غيره، وقدمها عليه لأنها معاملة مع المسلمين والجهاد معاملة مع الكفار. وهذا الكتاب يعبر عنه بالسير والجهاد والمغازي، فالسير جمع سيرة وهي فعلة - بكسر الفاء - من السير فتكون لبيان هيئة السير وحالته إلا أنها غلبت في لسان الشرع على أمور المغازي وما يتعلق بها كالمناسك على أمور الحج وقالوا: السير الكبير فوصفوها بصفة المذكر لقيامها مقام المضاف الذي هو الكتاب كقولهم صلاة الظهر وسير الكبير خطأ كجامع الصغير وجامع الكبير. والجهاد هو الدعاء إلى الدين الحق والقتال مع من امتنع عن القبول بالنفس والمال.
والمغازي جمع المغزاة من غزوت العد وقصدته للقتال غزوا وهي الغزوة والغزاة. وسبب الجهاد عندنا كونهم حربا علينا، وعند الشافعي هو كفرهم، كذا في النهاية قوله: (الجهاد فرض كفاية ابتداء) مفيد لثلاثة أحكام: الأول كونه فرضا ودليله الأوامر القطعية كقوله تعالى * (فاقتلوا المشركين) * (التوبة: 5) * (وقاتلوا المشركين كافة) * (التوبة: 36) و * (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر) * (التوبة: 29) وتعقب بأنها عمومات مخصوصة والمخصوص ظني الدلالة وبه لا يثبت الفرض. وأجيب بأن خروج الصبي والمجنون منها بالعقل لا يصيره ظنا وأما غيرهما فنفس النص ابتداء لم يتعلق به لأنه مقيد بمن بحيث يحارب كقوله تعالى * (وقاتلوا المشركين كافة) * (التوبة: 36) الآية. فلم تدخل المرأة. وأما الأحاديث الواردة فيه فظنية لا تفيد الافتراض، وقول صاحب الايضاح إذا تأيد خبر الواحد بالكتاب والاجماع يفيد الفرضية ممنوع بل المفيد حينئذ الكتاب والاجماع وجاء الخبر على وفقهما. وأما قوله عليه